الاثنين، ديسمبر 23، 2024

الى راهب الصمت

 

(ناديا.. مالمشكلة؟

ماذا حصل؟

أريد أن أعرف الى أين يقودك عقلك)

كانت تلك آخر رسالة وصلتني منك في تلك الليلة المشؤومة

كانت يوم 13 سبتمبر 2011م

ساخر هو قدرنا

أول رسالة منك كانت أيضا في سبتمبر

وهذه السنة مضت ثلاثة عشر سنة على غيابك!!

أما اكتفيت غياب؟

ألم يكن حرماني منك كل تلك السنوات كافيا كثمن أدفعه لتلك الليلة؟

ألم يجد الغفران طريقه إلى قلبك؟

ما أقساك يا قلبي أنت وما أحوجني لقسوتك يوم كنت قربي

تلك القسوة التي كانت تفيض حنانا وعطفا

(ناديا..يداك في حبك المفردة هي بحد ذاتها متنفس آخر)

أما زلت تتنفسني؟؟؟

أما أنا فأنت أنفاسي

لكنني بت أختنق

ما مر يوم من لحظة غيابك إلا وأنت هنا

كل تفاصيلي تعرفها لأنك كلها

حين أغضب أو أفرح أو أبكي أو أمر بوقت صعب أتحدث إليك كما لو أنك تسمعني

طيلة الوقت أتحدث إليك وما أطول الوقت في غيابك

واثقة أنك ستعود

لكن ثقتي تسخر مني

يا راهب الصمت

يا سيدي

يا صديقي

يا كل من لي

هل ستعود؟

إن رجوتك واستحلفتك بكل مقدس هل ستعود؟

ماذا لو أخبرتك أنك لو عدت لن أعاتبك ولن أحاسبك

لن أبكي متظلمة شاكية

لن أفعل شيء يضايقك

ماذا لو أخبرتك أني أقبل أن تضل راهب الصمت مدى الحياة

فقط أعدني إليك لأعود إلي من جديد

لا تتحدث إلي ..امنحني حق الكلام وكن صامتا ما شئت

أعلم أن أي رجاء لن يفيد وأي استعطاف لن يجدي

وهذا العلم قاتل يا نبضي

(بريد غير قابل للتسليم)

ما زالت هذه العبارة البشعة تصلني كلما بعثت لك حرفا

احمني من هذه البشاعة

لطالما كنت أماني وحمايتي

كيف أنكرتني بهذه السهولة؟

كيف هنت عليك إلى هذه الدرجة؟

لا أعلم لما أكتب لك الآن ..ربما لأني متأكدة أنك ستقرأ ..هذه الحقيقة الوحيدة التي تبقيني قيد حياة

مهما بلغت مشاغلك ومهما كانت ظروفك لن يمنعك شيء في هذا الوجود عن تقبيل أحرفي بعينيك الحبيبة

ليتني حرف يملك حق الوقوف أمام عينيك لحظة

حروفك أيضا هي ملجأ روحي

لولاها لا أظنني سأكمل طريقي

كل صباح أرتشفها

كل مساء أغفو في أحضانها

وحين يطبق الحنين قبضته على وجودي أستغيث بها

الوقت هنا أكثر مما يمكنني مقاومة وجعه

والوحدة تضاهيه وجعا

أتدري أي جحيم هنا؟

وحدة مطلقة ووقت لا نهائي

أتدرك أي شقاء هو؟

بكل قوة أستطيع تملكها أناضل هذه المأساة الوجودية

أطيل الوقت في عملي قدر المستطاع

أطيل الوقت في طريق الذهاب والعودة من عملي قدر المستطاع

أجوب الشوارع كثيرا برفقة شهرزادك

وفي النهاية أعود هنا حيث الجحيم والشقاء

كلما أوشكت على الانهيار اسرعت إلى أحرفك

أقرأها بعلو صوتي

كتعويذة تقيني السقوط

أقرأك كثيرا حتى يختنق صوتي ببكائي

أحرفك التي تحميني تبكيني أيضا

لا أجيد قراءتك بلا دموع

أتجول في هذا المنزل

أنقل جسدي من مقعد لأريكة لسرير لمقعد للأرض

أستلقي لساعات أطالع السقف

ما زلت كما عرفتني أهذي بالأسقف

كوب قهوة يغادر يدي ليحل آخر مكانه

وأيام تمضي حتى أتذكر أنني لم أأكل لحظة إغماءه غبية

بت أفقد وعيي كثيرا هذه الأيام

ليتني أفقد ذاكرتي بك قليلا

أتسائل كثيرا كيف كانت حياتي ستكون لو أني لم أتعثر بك ذات ابريل؟

لا يهمني أن أعرف لأني لا أريد حياتي دونك أنت حتى لو كنت على سبيل الذكرى

أحقا لن أغادر حدود ذاكرتك ؟

ألن أعود يوما واقع لديك؟

تحضرني الآن عبارة قلتها لي يوما

(طال الغياب ..وتوقفت الأنامل ..وذهبت المتعة..هل أنتي على قيد الحياة؟)

صدقت ذهبت المتعة

ما زلت على قيد الحياة

لكنني لا أحيا يا راهب الصمت

قل لي كيف ستكون لو أنك يوما جئت إلى هنا ولم تجدني؟

ماذا لو بحثت عن حرفي ولم تعثر عليه؟

أذكر أنك يوما كدت تفقد عقلك لأن حرفي غاب عنك

بعثت لي تسأل مضطربا مرعوبا

وطمئنتك وقتها أني هنا لا تخف يوما أن أغيب

يؤلمني وجعك لو حصل ذلك

لكنني يا وجعي ربما أغيب

سنوات أكتب لك شوقا إليك

وخوفا عليك

لكن أحرفي لم تشفع لي لديك رغم فرط نزفها

لم تلامس عفوك وغفرانك

لم تحرك فيك ذرة رحمة اتجاهي

لما تظنني أستمر؟

قلتها أنت

ذهبت المتعة

كل رغبة لدي في أي شيء ذهبت

يا راهب الصمت

يا أجمل عمري

يا أغلى أحرفي

لا تحزن حين لا تجد ناديا هنا

سامحني لكنني بلغت من اليأس ما يفقدني رغبة البقاء في أي مكان

سيغيب حرفي

لكنني سأضل وفية لكل حرف تركته لي

كنت أكتب لك

ما بقي لدي ما أكتبه

سأنتظر للمرة الأخيرة بكل ثقة أمام بابك

إن فتحته لي سأكون دوما ناديا المتيمة براهب الصمت

سأنتظر أن تمنحني شرعية هذا الانتظار الذي اعتنقته في غيابك

وان بقي بابك مغلق في وجهي

سأمحو كل خطوات خطوتها في الطريق إليك

سأغلق عالمي على ذاكرتي بك

لكنني لن أكون في عالم قد تعثر فيه على بصمة لي

يا راهب الصمت

العفو من شيم الكرام

كن كريما واعفو عن امرأة كان ذنبها الوحيد أنها عشقتك حد التنكر للحياة بعدك

 كن بخير

ناديا

23 ديسمبر 2024م