فتحت عيناها بتردد
الضوء القابع فوق رأسها ساطع جدا
أشاحت برأسها عنه
الضوء يحرق عينيها
مرت دقيقتين ليتمكن نظرها من الاستقرار على خطوط الستارة التي على يمينها
خطوطها الطولية واضحة جدا رغم بهتان لونها
استدار رأسها من اليمين إلى اليسار ببطء
عبرت عيناها الضوء الساطع بسلام
لتستقر على ذات الخطوط لذات الستارة على
يسارها
الستارة تحيط بها !!
وخزة في رأسها تفاجأها
تغمض عينيها
تتشنج ملامح وجهها
رفعت يدها
يدها لا تصل رأسها؟!!
ثمة ما يقيد يدها
تفتح عينيها بصعوبة
الألم في رأسها يشتد
تطالع يدها
أسلاك كثيرة مربوطة بها
بعضها يخترق يدها
وبعضها يحيط بمعصمها
بصعوبة أكثر تتسلق عيناها السلك الذي
يخترق يدها
لتصطدم بعبوة زجاجية تحوي محلول شفاف تتدلى من حامل حديدي معلق بالسقف
تعود عيناها أدراجها
لتبحث عن نهاية الأسلاك التي تحيط
معصمها
فتقف عند شاشة مليئة بالخطوط العرضية
الملونة
تتمتم بسخرية
// خطوط عرضية وطولية تحيط بي و أنا
مركزها المسلوب القوى //
تغمض عينيها من جديد
دقائق مضت ثقيلة جدا
استرخت ملامح وجهها
وانتظمت أنفاسها
بدأ الألم يرخي قبضته على رأسها
تنفتح الستارة على وجه جميل يحيط به حجاب
أبيض
وجسد رشيق يلفه اللون الأبيض أيضا
فتبتسم لكل ذاك الأبيض الذي أطل عليها
من خلف الستارة
هي تكره الأبيض في كل شيء
الآن تكرهه أكثر
فــ الأبيض هنا بدأ يستبيح جسدها
راحت يداه تتجول على جسدها بحرية
تسكب مادة لزجة على صدرها
تبا كم هي باردة
تنثر قطع معدنية مغلفة بالمطاط على محيط
صدرها
البرودة تعود تتحرش بها بعد أن لامست
المادة اللزجة معصميها و قدميها
ها هي قدميها أيضا تقيد بمقابض معدنية
ابتعد الأبيض عنها بابتسامة لطيفة
لا تعترف بابتسامة تصدر عن الأبيض حتى و
إن كان على هيئة ملاك الرحمة
خرجت الورقة من ذاك الجهاز
مليئة بخطوط عشوائية
// ما حكاية الخطوط اليوم ؟//
عاودت السخرية
لكن هذه المرة بصوت واضح و إن كان همسا
// أهو موجود بين تلك الخطوط ؟؟//
لم تتبين الممرضة مقصدها
اكتفت بــ هز رأسها مبتسمة
غادرتها بعدما حررت صدرها وقدميها
ومعصميها ..
أغلقت الستارة خلفها
نادتها قبل أن تبتعد
طلبت منها أن ترفع لها رأس السرير قليلا
فعلت بمنتهى اللطف
وحملت ابتسامتها معها خلف الستارة بعيدا
عنها...
بقيت وحدها
تتجول عيناها بحرية متفحصة تفاصيل المكان
تفاصيلها
ابتسمت
// يا إلهي ،، كما لو أني جنين وهذه
الستارة الباهتة الرحم الذي يحتويني،،
وهذه الأسلاك البشعة المشيمة التي تغذي
الحياة بي //
ضحكت
أعجبتها أفكارها العبثية
// منذ متى و أنا هنا؟؟//
تجهم وجهها حين تذكرت سبب وجودها في هذا
الرحم الباهت...
كانت على موعد معه صباح اليوم
هي دوما على موعد معه
لكن هذا الموعد كان مختلفا
استقبلته بضحكتها الشقية
تعرف أنه يعشق ضحكتها
ولأنه يعشقها جاهدت للمحافظة عليها
ثابتة على شفتيها ووجهها وهو يتلو على مسامعها تعاليم الفراق ؟؟!!!
لم تكن تعلم وهي تسابق اللحظات للقائه،،
لم تكن تعلم أنها على موعد مع وداعه ..!!
راحت تستمع له وهو يبرر لها رغبته في
فراقها رغم حبه الكبير لها !!!
تستمع وهي تغذي داخلها الشك بأن ما يحدث
مجرد مزحة منه،،
مزحة سخيفة جدا إلا أنها مجرد مزحة...
أخذ يتحدث ويتحدث
والشك داخلها يتلاشى
والمزحة أخذت تتحول إلى جد هزلي ؟!!
هو يعني ما يقول!!!
هو راحل فعلا؟!!
تكاد تسقط أمامه
لكن لا
ليست هي من تفعل
تماسكت
وظلت ضحكتها تغلف وجهها حتى غاب عنها
....
رحل؟!!
هكذا ببساطة رحل؟؟!!
سقطت
وسقطت ضحكتها ...
انتبهت للستارة وهي تنفرج من جديد ...
هذه المرة جاء الأبيض ببشارة الولادة،،،
أخيرا ستغادر هذا الرحم الباهت ...
ستنفلت من هذه المشيمة البشعة ،،،
ستخرج
من بين خطوط الطول والعرض لتتركها بلا مركز يحدد هويتها ...
تسحب الممرضة الإبرة المغروزة في وريدها
تنتثر قطرات من الدم على مفرش السرير
تلصق الممرضة قطنة على يدها وتوصيها بأن تشد عليها ...
تبتسم من جديد لها وتغادر
// هل الابتسامة من قوانين الأبيض؟؟//
هذه المرة تركت الستارة مفتوحة ...
تعلق عيناها على القطنة الملصقة على يدها
تتنهد بحسرة ،،
هو أيضا كان ملتصقا بقلبها
يسد ثقب الجرح الذي خلفته طعناتهم،،،
// كان جرحي لا يزال رطب ،، حين التقيتك..
جرحي لم يكن يوما إلا رطبا !!!
صافحك قلبي وهو يداري الجرح عنك بنبضاته
الشقية ،،
فلم تشعر أنت بالجرح الكامن فيه
أخذت قلبي بين يديك
شددت عليه
أوقفت النزف
وصمت الجرح
شعرت بالراحة كوني أصبحت خارج احتمال
الموت اثر نزيف حاد
برغم تلك الراحة
كنت أتساءل مرعوبة
متى سترفع يدك عن جرحي؟؟؟
وإن فعلت ،، هل سيكون النزف أشد؟؟؟
قبلك كانت يده
ذاك الذي كان يعشق جرحي
يروح ويجيء عليه مرارا وتكرارا
وحين قرر رفع يده
فاجأني
ترك جرحي عاريا
فلا تفعل أنت //...
لكنه فعل!!
بملأ ارادته فعل ؟!!
ورغم أنه لم يفاجئها برفع يده عن الجرح
إلا أنها لم تحرك ساكنا
فحين أفاقت من رحيله كان الجرح قد نزف
النزف هو من حملها إلى هنا منذ اثنا عشر
ساعة ،،
إلى داخل هذا الرحم الباهت ...
نهضت بهدوء
شاشة الهاتف تضيء برسالة
تراخى جسدها
سقطت على السرير
أهي منه؟؟؟
انتهى اضطرابها حين قرأت على شاشة
هاتفها
// ممكن//!!!
لم تكن منه
بل من ذاك الذي يعشق جرحها
هل حن إلى جرحها؟؟؟
نهضت من جديد
هذه المرة بقوة الغضب
الغضب وحده كفيل بقتل كل ضعف
ومضت إلى منزلها بعدما تركت له علامة
استفهام باردة كــ تلك الممكن التي وهبها إياها ..
لم تكن الطريق طويلة بين المشفى ومنزلها
لكنها بدت لها بلا انتهاء
كانت – ممكن- تفترش الطريق أمامها
تشعر بها لحظة تمر عليها عجلات السيارة
/ ممكن/
كانت تقفز لها من كل اتجاه
المصابيح المعلقة على أعمدة الإنارة على جانبي الطريق
لوحات السيارات الخلفية
زجاج السيارة أمامها
أنوار اللوحات المضيئة للمطاعم والمقاهي
في الشارع الذي يسبق منزلها...
تبا حتى من نوافذ
بيتها لحظة أطلت عليها من خلف المنعطف الأخير
...
ترجلت من السيارة و أسرعت إلى منزلها،،
كانت تتعثر بتلك الممكن المستفزة في كل
خطوة حتى كادت تسقط أرضا...
أغلقت باب بيتها خلفها بسرعة،،،
حلقت عيناها في كل أرجاء المنزل بحثا عن
تلك الممكن ،،
هدأت روحها لحظة اطمأنت لعدم وجودها ...
رائحة الرحم الباهت تفوح منها
اتجهت إلى غرفة النوم
خلعت ملابسها
أرادت خلع جلدها لو أتيح لها ذلك ؟!!
كانت المياه المنسابة على جسدها باردة
جدا
لكنها لم تشعر بذلك
فهي لا تزال محمومة بالغضب ...
تماما كقهوتها التي أمامها،،،
قهوتها التي ستعود تتناولها وحيدة بعدما
رحل ..
راحت تفكر به
ذاك الذي غاب بملأ إرادته
ترتشف القهوة
تتمتم بوجع
// لم تكن مزحة //....
ناديا الشراري
الخميس 24 أكتوبر 2013م
07:00ص