السبت، يوليو 09، 2011

طريق العودة




كانت تلاحق بعينيها تحركات قطتها المدللة وهي تتغنج أمامها,,,تغرس تركيزها بأكمله في تفاصيل تلك القطة,,في محاولة فاشلة لتحاشي الاصطدام بعبارات والدتها الموبخة لها ,,,
لكن صوت والدتها القاسي شتت كل تركيز في الكون...
توقفت عن متابعة قطتها و أدارت وجهها نحو والدتها لتلقي عطاياها ,,,
أغدقت عليها بالعطاء ,,,
((عاجبك هيك؟؟مبسوطه ع حالك؟؟دمرتي حياتك للمره الثالثه ..وبعدين مع عقلك الناقص؟؟شو اللي بدك تعمليه فيا؟؟جبتيلي الضغط والسكري الله يغضب عليكي ..الله يغضب عليكي))...
تناولت من على الصينية أمامها فنجان قهوة...ارتشفته دفعة واحدة...ثم قلبت الفنجان...ومدته إلى والدتها بابتسامة حزينة....
((ماما حبيبتي شوفيلي بختي ؟!!!))...
مسكين هو الفنجان تلقفه الجدار لينثره أشلاء ....
((هذا اللي دمرك برودك وبلادة روحك...ايمتى بس راح تحسي بالمسؤولية ؟؟الله يلعن الساعة اللي خلفتك فيها))...
توجهت نحو والدتها,,طبعت قبلة على رأسها وهمست
((ماما..أنا عن جد تعبانه وبدي ارتاح..أجلي هالحكي لبعدين))!!!
غادرت المكان وعبارات والدتها تحف خطواتها,,,,لم تصمت إلا حين أغلقت الباب خلفها....
أسندت ظهرها إلى باب بيتها...تنفست بعمق اختناقها....زفرت محتواها من القهر والضيم,,,,
تجولت عينيها لدقائق في المكان,,,منذ أسبوع حين وصلت بيتها كان المكان أشبه بخرابه موحشة,,اليوم بدأت ملامحه الجميلة تتضح,,,ابتسمت راضية عما أنجزته وحدها,,,,
((أنا بخير..كل شي راح ينتهي بسرعه..كل شي راح يكون زي ما بدي ))
كلمات رددتها بعلو صوتها لتكف أنياب الخوف عن نهش وجدانها....
فتحت جهاز الكمبيوتر ,,,ألقت نظرة على بريدها,,,لا يزال يشكو غيابك,,
((يا مسافر وحدك وفايتني
ليه تبعد عني وتشغلني...))
أخذت تغني مع نجاة بصوت بالكاد تتضح نبراته من بكائها,,,,
استأنفت ترتيب منزلها ,,,وبعد ساعات مرهقة ,,,تمددت على الأرضية مستسلمة تماما,,,مثقلة بذاكرة ملغومة بك,,,منذ صغرها لا شيء يريحها مثل التمدد على الأرضية بعشوائية تامة لتطالع بنهم السقف المزدحم بكم من الصور المبهمة...مع أن كل الأسقف تكون خالية إلا أنها تراها مليئة بهم؟!!....
منذ عرفتك...وأنت فقط من يملأ أسقفها ,,,,منذ عرفتك وصورك وحدها المتزاحمة على أسقف ترويك بصمت يليق بك,,,,
قصص,,,حكايات,,,مآسي,,,أفراح,,,ما أكثر ما تبوح به هذه الأسقف؟!!!
أخذت تنصت بروحها لما يرويه سقفها الصامت...مجرد رواية أنت محورها جعلها تغفو بأمان تام....
ومع غروب شمس النهار ...أشرقت عينيها بتكاسل...
ابتسمت لصورتك الغالية...ونهضت تستجدي فنجان قهوة يعيدها إلى عالم الأحياء....
صورة لمجموعة من المهرجين على الحائط أمامها ....
فنجان قهوة ينتظر شفتيها...
صمت صارخ احتضن عالمها ....
((ما نحن إلا مجموعة من المهرجين في مهزلة الحياة...فمن ترانا نُضحِك؟؟؟))...حقيقة آلمتها لحظة غادرت روحها....
توقفت عن التحديق في وجوههم البائسة...وأنهت انتظار فنجانها لتنفض الصمت بصوت تلاقي الفنجان بالطبق لحظة يعود من شفتيها....

تطايرت أفكارها في اتجاهات عشوائية كدخان سيجارتها ....
تناولت رواية ليوسف السباعي ((طريق العودة)) وبدأت تقرأ صفحة الإهداء...
لم تتمكن من تجاوز هذه الصفحة...

وضعت الكتاب على الطاولة المقابلة لها واستأنفت إحراق ذاتها من خلال سجائر ميتة مسبقا ....
توقفت عينيها رغم عنها على عنوان الرواية ((طريق العودة))
بقيت تحدق في العنوان ....
طال شرودها ....
((يا ترى فعلا في للعودة طريق بحياتي ؟؟!!))...
كان هو السؤال الوحيد الذي يشغلها عقب كل إخفاق في حياتها....
نهضت من مكانها ,,,,
جلست إلى مكتبها وأخذت تكتب إليه,,,ذاك الذي تستغيث به دوما منها....
انسابت الأحرف من بين أناملها بتلقائية تامة....
كعادتها حين تكون رسائلها إليه....
((أستاذي الحبيب
تحية مسائية طيبة أبعث بها إليك....
وكلي رجاء أن تصلك كلماتي وأنت في صفاء تام وهدوء أتم....
أستاذي الحبيب
هل تؤمن حقا أن في حياتنا يوجد طرق للعودة؟؟؟
أم أننا نحرق خلفنا كل الطرقات كي لا نهرب من مواصلة المشوار ؟؟؟
بالنسبة لي أعتقد أنني ما تركت يوم للعودة طريق خلفي ....
أتدري لست نادمة على ذلك ؟؟!!
لا تسألني عن السر الكامن خلف تصرفي المتهور ذاك...
فأنا ذاتي أجهله...
ستقول لي إن كنتِ مؤمنة بما تفعلين لما إذا ترهقينني بكِ؟؟
هذا السؤال أيضا لا أملك جواب عليه للأسف؟!!!
فقط أردت أن أفكر معك بصوت مرتفع كما أفعل دوما....
أستاذي الحبيب
لازلت أتخبط بمنتهى العشوائية ...
و لازلت غارقة في فوضويتي المظلمة....
ويبدو أن تخبطي وغرقي سيطولان كثيرا وأكثر مما أتوقع أو أتمنى....
أستاذي الحبيب.....))
توقفت عن الكتابة ....أضاعت ما كانت تريد قوله؟؟!!!
دائما تكون مليئة ببوح لا يوصف...
وحين تهم بإفراغ محتواها منها تفتقد الكلمات المناسبة؟؟؟!!!
يا إلهي ما أصعب هذا الموقف وخاصة على من هم مثلها...
أولئك الذين لا يجيدون سوى العزف على الكلمات ....
لا شيء يفوق خيانة اللغة ألم لمن لا يملك سواها وسيلة حياة.....
أمالت رأسها على الكرسي بأريحية تامة ,,,,
أغمضت عينيها بخشوع وتنفست بعمق,,,
وبقيت تردد بصوت هامس لا يهمها أن يصل سواها
((كل شي راح ينتهي بسرعة...كل شي راح يخلص ))......







ناديا الأحد 19 يونيو 2011م
10:13مساء

هناك تعليق واحد:

  1. لم أجد أفضل من كلام نازك الملائكة لأرد عليكى:


    نعود إذن في الطريق الطويل

    تواجهنا الأوجه الجامده

    يواجهنا كل شيء رأيناه منذ قليل

    كما كان في ركدة بارده

    نعود إذن , لا ضياء ينير

    لأعيننا الخامده

    نسير ونسحب أشلاء حلم صغير

    دفنّاه بعد شباب قصير

    ***

    نعود وهذا طريق الإياب

    يمدّ مرارته ورتابة أسراره

    نسير ويبرز باب

    هنا , وجدار هناك يسدّ الطريق

    بأحجاره

    وثم سياج عتيق ,

    تهدّم عند النهر

    وعابرة , دون معنى تمدّ البصر

    إلى حيث لا نعلم ,

    تمرّ بنا , لا تفكر فينا

    وننسى ونجهل أنّا نسينا

    ولا نفهم .

    ***

    نعود إذن في طريق الإياب المرير

    وكنّا قطعناه منذ زمان قصير

    وكنّا نسّميه , دون ارتياب , طريق الرواح

    ونعبره في ارتياح :

    يمد لنا كلّ شيء نراه يدا

    يكاد يعانقنا ويصبّ علينا غدا

    دقائقه نسجتها المنى

    وكنّا نسّميه , دون ارتياب , طريق الأمل

    فما لشذاه أفل

    وفي لحظة عاد يدعى يدعى طريق الملل ؟

    وعدنا نسير ويسلمنا المنحنى

    إلى آخر ضيق

    ويدفعنا كلّ شيء نراه

    إلى يأسنا المطبق

    ونشعر أنّا ضجرنا ضجرنا وعفنا الحياه

    وعدنا نمجّ الحياه

    ***

    لماذا نعود ؟

    أليس هناك مكان وراء الوجود

    نظلّ إليه نسير

    ولا نستطيع الوصول ؟

    مكان بعيد يقود إليه طريق طويل

    يظلّ يسير يسير

    ولا ينتهي , ليس منه قفول

    هنالك لا يتكرر مشهد هذا الجدار

    ولا شكل هذا الرواق

    ولا يرسل النهر في ملل نغمة لا تطاق

    نصيخ لها في احتقار

    لأن الطريق طريق الرجوع

    لأنّا بلغنا نهاية درب الرّواح

    وأصبح لا بدّ من أن نذوق الجراح

    ونحن نسير ونقطع درب الرجوع

    ونذرعه بالدموع

    ***

    ألا بد من أن نؤوب

    وتدفعنا خلجات المرارة دون حلم ؟

    ألم ينطفىء كلّ حلم كذوب

    وها نحن نعلم أنّا بلغنا القمم ؟

    وسرنا على أوجها مرة , ثم حان الإياب

    وعدنا نجرّ قيود الألم

    وندرك كيف تغيّر حتى التراب

    تغّير حتّى الطريق

    وأصبح يرفضنا في ملال وضيق

    وعاد يصبّ علينا جمودا عميق

    ***

    وعدنا نسير

    نجرّ أحاسيسنا الراكده ,

    وتصدمنا الأوجه الجامده.

    نسير , نسير ,

    نحدّق في أي شيء نراه ,

    بهذا السياج المهّدم أو بسواه

    نحدّق , لا رغبة في النظر

    ولمن..لأن لنا أعينا .

    نعّلق , لا شوق يغري بنا

    ولكن لأنّا سئمنا السكون المخيف

    ووقع خطانا الرتيبات فوق الرصيف

    سئمنا فأين المفر ؟

    ولا بدّ من أن نعود

    فليس هناك مكان وراء الوجود

    نظلّ إليه نسير

    ولا نستطيع الوصول

    ردحذف