كتبت عنك كثيرا
لكن هل سبق وكتبت لك؟
ربما أكون مررت بك قليلا
لكنني اليوم أريد الوقوف أمامك طويلا
لن تكون هذه الصفحات كافية
لا أظن أن ثمة فضاء قادر على احتواء كلماتي اللا نهائية لك
لكنني سأحاول ترك ما يمكنني من كلمات لك هنا
ذات يوم ستكبر يا صغيري وتقرأ
ستتعرف علي من جديد من خلال كلمات لم تكن يوما ندا لجحيمي
١٤ يناير ٢٠١٦
أول يوم أعلنت فيه أنك هنا
يومها خانني صوتي فلم أقوى على الصراخ
وددت لو صرخت بكل قوة لأعلن للكون حضورك
ومضت الأيام والأشهر وأنا أنتظر اللحظة التي سألتقيك فيها
ذاك وقت لا أجد تفاصيل فيه تغريك بمعرفتها
١٧ أغسطس ٢٠١٦
يوم الأربعاء السادسة مساء في مستشفى الخنساء في عمان التقينا للمرة الأولى
حين رأيتك غبت عن الوعي لدقائق
وصحوت لأجدك بين يدي
لا حرف في أي لغة يملك تعريف مشاعري في تلك اللحظة
بكيت كثيرا وأنا أمسك بك
يداك الصغيرة
ملامحك الغير واضحة
بشرتك المجعدة
رائحتك النقية
كل ما فيك شهي حد الجنون
كنت لي
كنت مني
وستبقى
ومضت الايام بنا
كل يوم معك عمر كامل بكل تفاصيله
وتركتك حين أتممت من العمر شهرين
هنا بدأت بيننا معاهدة فراق كلانا يرفضها رغم سطوتها
بدأ غيابي عنك
غياب لم أرجوه يوما لكنها الاقدار يا صغيري
كان قلبي ينصهر كلما تركتك
كانت روحي تغادرني لحظة أقبل وجهك الصغير مودعة
ومع كل خطوة تحملني بعيدا عنك خسرت جزء مني
اليوم يا صغيري أمك بقايا مشوهة
كان فراقنا موجع لكنني كنت أجاهد في سبيلك ما لا طاقة لي به
أغلب أحداث حياتك لم أكن شاهدة عليها
أول خطوة لك
أول كلمة لك
ما أبشع هذا الحرمان يا صغيري
وذات غفلة عدنا سوية
جئت وأنت في الخامسة من عمرك لتعيش هنا معي في وطني الحبيب
أي فرحة هذه التي هزت كياني
سنتان من السعادة لن أنساها رغم أنها أصبحت شقائي حين اكتفت بأن تكون مجرد ذكرى
صرت شريكتك في كل نفس تتنفسه
عشت دوري كأم لك بكامل حقوق الأمومة وواجباتها
كنت أراك تأكل أمامي
تلعب
تبكي
تفرح
تغضب
و كل ليلة تغفو في احضاني
اي فرح هذا الذي احياه
رأيت تفاصيل نموك العذبة
تضارب مشاعرك البريئة
كنت معك وبك
لا شيء يا صغيري يدوم في حياتي حين أتعلق به
وجددنا معاهدة الفراق
وأنت في السابعة
مثلما جئت غادرت
هذه المرة أنت تركتني
وتركت لي من الذكريات ما يغتال روحي بلا رحمة
حين ذهبت بقيت لأيام عاجزة عن استيعاب الحقيقة
لم أستطع تقبل الواقع
كنت أسمع صوتك في كل ركن
ألمح خطواتك في كل غرفة
حتى مدرستي تركت لي فيها منك ما لا يمكنني احتماله
هنا كنت تركض
هنا لعبت مع زملائك
هنا تناولت افطارك
هنا كان صفك
هنا معلماتك
هنا أنت للأبد
أهرب من مدرستي لبيتي لأجدك تنتظرني بوجع أقسى
هنا غرفتك
سريرك
مكتبك
هنا ألعابك
ملابسك
أحذيتك
أتعلم أني لا أقوى على دخول غرفتك في غيابك؟
لكنني أفعل مرغمة
أدخلها لساعة فقط لأنظفها
لأحميها من بصمات الغياب القذرة
ما أكثر ما أفعله يا صغيري رغما عني
ما أكثر الأشياء التي أحاول حمايتها منذ غيابك
أتدري أنني أكثر ما أحاول حمايته؟
أحاول أن أحميني لأجلك
لولا خوفي من أذيتك لما أكملت الطريق
يرعبني أن أسبب لك أي ألم حتى لو لم يكن مقصودا
لذا أحميني ﻷكون قربك لحظة تحتاجني
لكنني أنا من أحتاجك
هذه حقيقة لا بد أن تعرفها جيدا
أنت قوتي و يقيني و غايتي
لكنني متعبة جدا
أشتاق لك كثيرا
أفتقدك كثيرا
كل ليلة أبكي حتى أنام
أفكر بك كثيرا
هل نام؟
هل استيقظ مفزوعا من حلم سيء؟
هل يحلم بي؟
وكل صباح أفتح عيناي على يوم لا يحتويك
و أبكي من جديد
وأتساءل يا صغيري
هل استيقظ صغيري؟
أكان صباحه جميل كوجهه الجميل؟
أتراه يبكي مثلي؟
يرعبني يا صغيري مجرد التفكير أنك تشعر نحوي شعوري نحوك
لا أريد أن تفقدني أو تشتاق لي
لا أريد لقلبك الطاهر أن يتألم
أريدك دوما سعيدا
لذا كلما تواصلنا تراني مبتسمة ملأ روحي
أريدك أن تصدق قوتي الوهمية وجبروتي في غيابك
هل أخبرتك أن التواصل معك رغم أنه يشفي روحي إلا أنه يمزقني؟
فلتعلم إذا أنني أحترق
حين أراك أمامي من خلال شاشة ميتة وأعجز عن لمسك أو تقبيل ملامحك الحبيبة
إذا علمت ذلك ستتفهم لما دوما أختصر اللقاء بيننا و أنهيه سريعا
موجع هذا اللقاء الافتراضي
ماذا أخبرك بعد؟
كثيرة هي التفاصيل التي أود مشاركتك إياها
لكنها تاهت مني اﻵن
لا بأس سأخبرك بها لاحقا
اليوم هو المهم
اليوم ١٧ أغسطس ٢٠٢٥
اليوم أتممت التاسعة
كل عام
كل يوم
كل لحظة وأنت بخير
رغم المسافة بيننا لكنني حضرت لحظة اطفأت الشمعة التاسعة
حضور افتراضي
لا بأس
المهم كنت معك
سعيدة لسعادتك
لتكن دوما سعيدا يا صغيري حتى لا تضيع تضحياتي
كن سعيدا بقدر الوجع الذي دفعته أمك ثمنا لهذه السعادة
غدا يا صغيري سأعود لعملي
سأكون معلمة لأطفال غيرك
أتذكر أني كنت معلمتك يوما؟
في تاريخي الوظيفي بأكمله وحتى نهايته لن أنسى أني كنت معلمة لك ذات سنة
نسيت أن أخبرك أن أصدقائك غادروا مدرستنا لمدرسة جديدة
هذه السنة سيخف الوجع قليلا لأن رؤيتهم بعد رحيلك كانت عذاب قاتل
لم أكمل كمعلمة لهم لأن ذلك حقا فوق قدرتي على التحمل
لم يكن ممكنا بالنسبة لي أن أشرح لهم درسا وأنا أبحث عن وجهك بينهم
تبا لكل التفاصيل التي تركتها بعدك لتشقيني
لا يهم
المهم أنت بخير
بعد أيام قليلة ستعود أنت أيضا لمدرستك
ستبدأ عام جديد
أنت اليوم طالب في الصف الرابع
متى كبرت يا صغيري؟
نيار
أمك متيمة بك
شكرا لأنك أكملتني بك
شكرا ﻷنك منحتني كل هذه القوة
كل هذا الجمال
شكرا لأنك جعلت لحياتي معنى وقيمة
يا نبض الروح أنت
سأتوقف عن الثرثرة هنا
بدأت الكتابة لك يوم عيد ميلادك واستغرقني الأمر يومان لأصمت
عذرا يا صغيري لكن الوجع جعلني أتوقف كثيرا
نيار كن دوما بخير ﻷكمل واجبي نحوك كما يليق بتضحيتي لأجلك
ناديا الشراري
١٩ أغسطس ٢٠٢٥