الجمعة، فبراير 22، 2013

رسالة خاصة جداااااااااااا


لا أعلم مالذي سأكتبه إليك
ولا أعلم إن كنت سأكمل كتابتي هذه أم أني سأنهيها قبل البدء بها
طال صمتي أمامك حتى قتلتك الظنون بأن صمتي تجاهلا لك...
قديما قال لي رجلا أحترمه كثيرا أن الصمت في بعض الأحيان لا يجدي نفعا وأنا لا أريد للصمت أن يذهب بكل نفع بيننا ...
سيدي الكريم
ليس التجاهل هو  سبب صمتي في حضرتك،،
فمثلك لا يمكن أن يكون للتجاهل وجود في وجوده...
مثلك سيدي رجلا إن حضر استنفر الكون اجلالا وتقديرا لهيبته ...
وأنا جزء من منظومة هذا الكون المبهور بك ...
لكنني لا أملك إلا الصمت أمامك!!!
ورب العرش العظيم أني ما اكتسيت بالصمت أمامك إلا لأجلك أنت ...
نعم سيدي
أصمت لأجلك،،
فبداخلي ضجيج لو بلغ مسامع روحك لأيقظ  مارد الحزن فيها وأنا أخاف عليك منه سيدي ...

سيدي
قلت لك أني لا أعلم مالذي سأكتبه هنا ولكنني سأكتب طالما أني ما زلت قادرة على الصمود أمام هذه الشاشة الصامتة كــ صمتي ....
طالما أني لم أهرب سأكتب لك ما أرجو أن يريح قلبك ويطمئن روحك،،،

سيدي
منذ صغري وأنا مولعة بــ ذاك العشق الملائكي الذي حمل جبران خليل جبران ومي زياده إلى أعالي السمو الروحي ،،،
عشقت جبران،،،
قرأته طفلة بنضوج أنثى ،،،
عشت أنتظره ،، وظننت أن لا نهاية لــ إنتظاراتي  ،،،
لكن شاء القدر ذات إبريل أن أتعثر به حيث لم أتوقعه...
لا لغة في الكون تملك قدرة وصف مشاعري حينها....
التقيت به حيث النهايات تفرض سلطتها ،،،
لم أنتبه أني أعانق الحياة في مواسم الموت ...
من فرط فرحتي بلقائه نسيت أن ما يولد في إبريل هو ميت بلا شك.!!
عشت الحياة به ومعه،، بل عاش هو حياتي أكثر مني أنا من تملكها...
كان هو كل ما لدي ...
كان بداية يومي ونهايته...
كان تفاصيلي و حكايا روحي ...
كان أجمل أسراري وأقدسها....
كان طقوسي التي أعشق ممارستها...
ولأنه ما كان لي منذ البداية فقدته،،،
رحل تاركا روحي موشومة به وشم لا يبيد ولا يفنى ....
لم أستطع تقبل فكرة رحيله،، لم أقوى الاعتراف بفقدي له،،،
فكيف يمكنني الاعتراف بأن روحي قد فارقتني وأنا قيد حياة؟؟؟
هو كان روحي سيدي....
حاولت التأقلم مع غيابه ،،
كنت أوهم نفسي أنه عائد إلي عما قريب،،،
لم أكن أجهل زيف أوهامي ،، لكنها كانت حيلتي الوحيدة للتغلب على الموت يئسا ...
كل لحظة كان غيابه يقتل في داخلي نبضة،،،
كل لحظة كنت أخسر حلم وأمل  وعمر ،،،
مضت الأيام بعده ثقيلة موجعة،،،
كانت ساعاتها تطبق على أنفاسي ،، تخنقني ،،،
وكلما مر يوم على غيابه كلما اتسعت فجوة الفقد التي خلفها داخلي ،،،،
حتى غدوت من حيث لا أذكر مفرغة جدا مني....
سيدي
ليت لدي كلمات توصل لك ما عشته وأعيشه من لحظة خلفني ذاك الذي أتنفسه خلفه ورحل،،،
لكن الكلمات تتقلص من شدة فقرها للحديث عن معاناتي ....
فماذا تملك الكلمات لتخبرك عن وجعي ؟؟؟
وجع أنثى فقدت ملامحها يوم فقدت رجل حياتها؟؟؟؟
قل لي أي شيء تملك الكلمات على كثرتها وصفه والحديث عنه ولو سطحيا؟؟؟؟
الليالي التي لا فجر يحررها من ظلمتها؟؟؟
الكوابيس التي لا يقظة تقتلها؟؟؟
الساعات التي لا تمضي ؟؟
الشتاء الذي لا ينتهي؟؟؟
الخوف الذي لا ينام ؟؟؟
الجوع الذي لا يشبع؟؟؟
العطش الذي لا يرتوي؟؟؟
الأدمع التي لا تصمت؟؟؟
الصمت الذي لا ينطق؟؟؟
الحياة التي لا تنبض؟؟؟
الموت الذي لا يكتمل؟؟؟
أي شيء سيدي يمكن للكلمات البوح به ؟؟؟
تعتب على صمتي ؟؟
لا تعتب سيدي فصمتي ضجيج لا يصرخ إلا بي وحدي....

سيدي
ذاك الرجل لم يخذلني لا حاضرا ولا غائبا....
وهذا هو وجعي ،،،
ذاك الرجل أعرفه أكثر مني أنا...
لم يكن يوما رجلا هوايته التلاعب بمشاعر أنثى،،
ولا كان رجلا يتاجر بقلوب النساء ،،،
ليس رجلا يعد أنثى بما لا يستطيع الوفاء به،،،،
ذاك الرجل أعرفه وأعرف أنه لم يخذلني برحيله ،،،
لأنه لم يرحل راغبا بالرحيل ،، بل كان مرغما لسبب علمه عند الله وحده....
هذا هو وجعي سيدي
سنة وخمسة أشهر وتسعة أيام  هي عمر وجعي به وعليه،،،
ماذا حدث له؟؟؟
ماذا حدث له؟؟؟
سؤال يصرخ في دمي ليل نهار من حين رحيله الذي لا أعلم له سبب...
لم يرحل بإرادته  هذا ما أقسم عليه برب السماء والأرض...
لم يرحل بإرادته لأني أعرفه ...
كان بيننا وعد ومثله لا يخون  وعده،، قلتها لك ذاك الرجل أعرفه...
يوم غيبه القدر غابت معه الحياة بي ،،،
لم أعد أنا هي أنا ،، ولا عاد شيء كما كان بعده....
ولن يعود شيء و لا الحياة ستعود لي ....

سيدي
منذ ذاك اليوم المشؤوم وأنا أنتظر رجوعه بيقين المؤمن ،،،
وسأظل منتظرة وسيظل يقيني قويا بعودته إن كان قيد الحياة،،،
وإن لم يكن وهذا ما أخشاه فقسما برب العرش العظيم أني لن أخون ذكراه ،،،
لا أستطيع خيانة من علمني الوفاء ،،،
لا يمكنني خيانة رجل أعاد لي نور روحي بعدما كدت أغرق في ظلمات ضياعها....

سيدي
يرعبني الوقت الذي يمضي دون أن يأتي به،،،
دون أن يحمل بشارة عودته،،،
أو حتى بشارة أنه بخير وهذا أضعف الايمان ....
والله لو شهدت بنفسك احتضاري به لكنت له وفيا أكثر مني....
فرجل يملك روح أنثى وهو غائب جدير بالوفاء سيدي....

سيدي
لم آتي على ذكره أمامك لأشعل داخلك نار الغيرة منه ،،،
ولكن حتى أعتذر منك عما سائك مني وجب علي ذكره ...
حدثتك عنه لتلتمس لضعفي العذر علك تجد للغفران في روحك متسع فتغفر لأنثى ممزقة ....
ذاك الرجل سيدي حين غاب غبت معه لذا كنت لا أملك إرادة شيء في حياتي ،،،
تصرفت بعشوائية لا تطاق ...
كنت فوضوية جدا ،،،
أتخبط في ظلمات الفقد الموحشة بلا هداية ....
لذا سقطت يوما على أعتاب بابك الطاهر ،،،
وكنت كريما في الأخذ بيدي ورفعي إلى جوارك على عرش الكبرياء ،،،
منحتني شرف القرب منك ،،،
غمرتني بك حتى أعجزتني عن التصريح لك بأني لا أليق بك ....
لكنني لم أستطع البقاء قربك أكثر من ذلك لأني لست خائنة .. ولأنك لا تستحق الخيانة ...
بقائي معك وكل ما بي ملك لذاك الرجل هو خيانة لا تستحقها أنت ،،،،
لذا حملتني وهربت بعيدا عنك،،،
عرشك سيدي لا يناسب أنثى مقيدة بذكرى رجل سواك...
أعلم أن رحيلي عنك بتلك الطريقة كان طعنة أدمت روحك الطاهرة ،،،،
لم يكن لدي خيار  سوى الرحيل هربا ....
نعم كنت محق حين قلت أنك ما اقتحمت قصري عامدا فأنا من وقفت ببابك ،،،
أنت محق  في كل ما قلته وكل ما ستقوله عني مهما بلغت قساوته ،،،
أنت لم تخطئ حين شرعت أبوابك بكرم السماء في وجهي ،،
لكنني أيضا لم أتعمد العبث بــ طهرك ولم أقصد استغلال كرمك ...
فحين قصدت بابك كنت كالضرير الذي يتلمس أقرب شيء  يسنده ليحميه من السقوط،،،،

سيدي
لست أنثى مراوغة ولا أنثى لعوب  لأتمرغ في خطيئة رجل  أيا كان ،،،
فما بالك بك أنت وأنت الرجل والشاعر والعاشق ....
أقسم بعزة الله أني ما سقطت ببابك متعمدة المساس بك ولا هربت منك قاصدة الاقلال منك لا وحق من شرفني بأن أكون حرفا في قصيدة نظمها إحساسك الطاهر ....
كان قدري أن أسقط على أعتابك  مثقلة بحزني على رحيله،،
وكان قدرك أن تعشق أنثى لا تملك من ذاتها شيء ....
هي أقدارنا سيدي لا مفر من الرضوخ لها والاستسلام أمامها....

سيدي
كل من حولي يلومني لأني أحب رجل لا وجود له في واقعي ،،،
كلهم يستنكرون وفائي لراحل لن يعود،،،
يقولون لي لو كان  لكي قدر عنده ما ترككِ..
لو كان يهتم لأمركِ ما ظل مختبئا حتى اليوم..
يقولون لي أنه يعيش حياته بكامل حريته ومتعتها في الوقت الذي تموتين حسرة عليه...
يقولون ويقولون ولا تنتهي أقاويلهم المسمومة ...
إلا أني أغلق قلبي وروحي وعقلي عنهم ...
هم  لا يعلمون ما الذي فعله ذاك الرجل بي ولي ،،،
لا يعلمون من ذاك الرجل ...
والله لو علموا لما حاربوا وفائي له ....
عذرهم أنهم لا يعلمون شيئا مما أعلمه عنه....

سيدي
تعبت من الحديث الذي لا أعلم إن كان كافيا ليفسر لك صمتي ....
تعبت والله من كل شيء حولي ....

سيدي
كان من المفترض أن تصلك رسالتي هذه على بريدك الخاص لكنني فضلت تركها لك هنا لــ سببين
أولا لأعتذر من خلالها لك و لــ  كل من أساء قراءة مروري به...
لأعتذر لــ  كل من باح لي بحبه وظللت صامتة فظن صمتي مباركة لهذا الحب المشتعل في قلبه،،،
لأعتذر لــ كل من لم يفهم أني لا أملكني أبدا....
والسبب الثاني ليقرأها هو إن كان قيد الحياة
فلو كان حقا قيد الحياة فمن المؤكد أنه سيمر بأحرفي ،، سيمر بهذه المدونة لأنها كانت أقدس الأشياء لديه وأغلاها على قلبه,,,
أريده أن يقرأني بعيني قلبه وروحه لربما رأف بي ،،،
أريده أن يقرأ ما حل بشهر زاده بعده لربما أشفق عليها من العذاب الذي لا ينتهي ...
أريده أن يعود ليوقف أقاويلهم ويخرس شماتتهم ....
أريده أن يعرف أني لم أشك للحظة بصدقه وأمانته معي ...
ولم أخن للحظه عهدي له بأن أكون أنثى تليق بمعرفة رجل مثله....
أريده أن يعرف أنه ما عاد بي طاقة على المضي قدما بدون هديه ....
أريده أن يعرف أني انكسرت بعده ومت بعده ورغم كل ما أعانيه أنا له منتظرة ولو طال الغياب لآخر العمر ....
أريده أن يقرأ فلسفته التي يحبها بي ...
أريد أن أخبره أنه يوم رحل أخذني معه وحتى اليوم انتظرني بعودته...
أريده أن يعلم أني أغفر له غيابه ،،،
أغفر له وجعي وقهري وحزني ،،،
أغفر له سنوات عمري وأحلامي وآمالي ،،،
لكني أبدا لن أغفر له سوء يمسه ولا شر يضره لا قدر الله....

سيدي
انتهت رسالتي لك
آخر ما أود قوله لك ولكل من يقرأني
يوم 13سبتمبر 2011م  لم أفقد رجل بل فقدت نفسي  فلا تطالبوني بما ليس لدي....

ناديا الشراري
الخميس 21 فبراير 2013م
11:45 م






الخميس، فبراير 21، 2013


يوما ما سأكتب عنك
فكل ما نثرته روحي من أحرف عنك لم يكتبك!!!
كل مفرداتي التي نزفتها لك عنك وبك لم تقل حرفا فيك حتى الآن ؟؟؟!!
يوما ما سأكتب عنك
فقط أمهلني حتى تنضج لغتي فيحين قطافها ....
وقتها سأكون جاهزة للكتابة عنك...
لا تتعجلني سيدي  أرجوك لا تتعجلني كما أتعجلني أنا...
فكلما فعلت وأفعل تسقط كلماتي كــ طفل صغير يتعجل المسير قبل أن تقوى ساقيه وتشتد عضلاتها...
لا تتعجلني سيدي
لأني لا أريد أن تكتبك لغة ضعيفة مهزوزة،،،
بل أريد أن أكتبك بلغة كــ أنت
قوية ،،
شامخة....
سيدي
يوما ما سأكتب عنك ....
ناديا الشراري
الخميس 21 فبراير 2013م
02:21 م

الثلاثاء، فبراير 19، 2013




من مي إلى جبران
(...جبران! لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب. إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في
المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة. ويفضلون أي غربة وأي شقاء (وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟) على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة.
ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير. الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير.
كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري.
الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كنت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى.
حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب.
إن القديس توما يظهر هنا وليس ما أبدي هنا أثراً للوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة. ما هو؟ قل لي أنت ما هو. وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى فإني أثق بك.. وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.
... غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هي مثلي، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب. تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحب، فتتسرب
إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة في اسم واحد: جبران).

________________________
من جبران إلى مي
نيويورك 26 شباط 1924
نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة.
أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال:

يا مي عيدك يوم
وأنت عيد الزمان

انظري يا محبوبتي العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة ((رفيقة)) ارتعش قلبي في صدري، فقمت ومشيت ذهاباً في هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه. ما أغرب ما تفعله بنا كلمة واحدة في بعض الأحايين! وما أشبه تلك الكلمة الواحدة برنين جرس الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت، ومن العمل إلى الصلاة.

تقولين لي أنك تخافين الحب.
لماذا تخافين يا صغيرتي؟
أتخافين نور الشمس؟
أتخافين مد البحر؟
أتخافين مجيء الربيع؟
لماذا يا ترى تخافين الحب؟

أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء. نحن نريد الكمال. أقول يا ماري إن في الإرادة الحصول، فإذا كانت إرادتنا ظلاً من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله.

لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.
اسمعي يا ماري: أنا اليوم في سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معي في سجني حتى نخرج إلى نور النهار وهل تقفين إلى جانبي حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟

والآن قربي جبهتك. قربي جبهتك الحلوة – ………………والله يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبي الحبيبة.
لا بأس – على أنني أخشى بلوغ النهاية قبل الحصول على هذا الشرف وهذا الثواب.

لنعد هنيهة إلى ((عيدك)) أريد أن أعرف في أي يوم من أيام السنة قد ولدت صغيرتي المحبوبة. أريد أن أعرف لأني أميل إلى الأعياد وإلى التعييد.
وسيكون لعيد ماري الأهمية الكبرى عندي. ستقولين لي ((كل يوم يوم مولدي يا جبران))
وسأجيبك قائلاً: ((نعم، وأنا أعيّد لك كل يوم، وكان لا بد من عيد خصوصي مرة كل سنة)).
_____________________

من مي إلى جبران ...

صديقي جبران
لقد توزع في المساء بريد أوروبة وأمريكة , وهو الثاني من نوعه في هذا الأسبوع , وقد فشل أملي بأن تصلني فيه كلمة منك . نعم إني تلقيت منك في الأسبوع الماضي بطاقة عليها وجه القديسة حنة الجميل , ولكن هل تكفي الكلمة الواحدة على صورة تقوم مقام سكوت شهر كامل .
... لا أريد أن تكتب إلي إلا عندما تشعر بحاجة إلى ذلك أو عندما تنيلك الكتابة سرورا , ولكن أليس من الطبيعي أن أشرئب إلى أخبارك كلما دار موزع البريد على الصناديق يفرغ فيها جعبته ! .. أيمكن أن أرى الطوابع البريدية من مختلف البلدان على الرسائل , حتى طوابع الولايات المتحدة وعلى بعضها اسم نيويورك واضح , فلا أذكر صديقي ولا أصبو إلى مشاهدة خط يده ولمس قرطاسه .
... ولتحمل إليك رقعتي هذه عواطفي فتخفف من كآبتك إن كنت كئيبا , وتواسيك إن كنت في حاجة إلى المواساة , ولتقوك إذا كنت عاكفا على عمل ولتزد في رغدك وانشراحك إذا كنت منشرحا سعيدا .
مي زيادة
11 آذار 1925
___________________________
من جبران إلى مي ..!!


لقد أعادت رسائلك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع وألف خريف وأوقفتني ثانية أمام تلك الأشباح التي كنا نبتدعها ونسيرها مركبا إثر مركب .. تلك الأشباح التي ما ثار البركان في أوروبا حتى انزوت محتجة بالسكوت , وما أعمق ذلك السكوت وما أطوله ! .
هل تعلمين يا صديقتي بأني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة , وهل تعلمين بأني كنت أقول لذاتي , هناك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا , قد دخلت الهيكل قبل ولادتها ووقفت في قدس الأقداس فعرفت السر العلوي الذي اتخذه جبابرة الصباح ثم اتخذت بلادي بلادا لها وقومي قوما لها .
هل تعلمين بأني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كما وردت على رسالة منك ولو علمت لما انقطعت عن الكتابة إلي , وربما علمت فانقطعت وهذا لا يخلو من أصالة الرأي والحكمة .
جبران خليل جبران
9 شباط 1919
_________________________

من جبران لمي

حضرة الأديبة الفاضلة.

قد فكرت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مرت بدون خطاب ولا جواب ولكنه لم يخطر على بالي كونك " شريرة" أما الآن وقد صرّحت لي بوجود الشر في روحك فلا يجمل بي سوى تصديقك فأنا أصدق وأثق بكل كلمة تقولينها لي ! أنت بالطبع تفتخرين بقولك – أنا شريرة – ويحق لك الافتخار لأن الشر قوة تضارع الخير بعزمها وتأثيرها . ولكن اسمحي لي أن أقول لك مصرحاً بأنك مهما تماديت بالشر فلا تبلغين نصف ما بلغته فأنا شرير كالأشباح الساكنة في كهوف الجحيم بل أنا شرير كالروح السوداء التي تحرس أبواب الجحيم ! وأنت بالطبع ستصدقين كلامي هذا !.
غير أنني للآن لم أفهم الأسباب الحقيقية التي دعتك إلى استخدام الشر ضدي فهلا تكرمت بافهامي ؟ قد أجبت على كل رسالة تكرمت بها عليّ واسترسلت متعمقاً بمعاني كل لفظة تعطفت بهمسها في أذني فهل هناك أمر آخر كان يجب عليّ أن أفعله ؟ أو لم تبدعي لي من " لا شيء" ذنباً لتبيني لي مقدرتك على الاقتصاص ؟ لقد فلحت وأحسنت البيان , أما أنا فقد آمنت باقنومك الجديد الكلي المطلق الجامع بين أسياف " كالي" ربة الهند وسهام " ديانا" معبودة الأغريق .
والآن وقد فهم كل منا ما في روح الآخر من الشر والميل إلى الاقتصاص فلنعد إلى متابعة الحديث الذي ابتدأنا به منذ عامين . كيف أنت وكيف حالك ؟ هل أنت بصحة وعافية ( كما يقول سكان لبنان )؟ هل خلعت ذراعاً ثانية في الصيف الماضي أم منعتك والدتك من ركوب الخيل فعدت إلى مصر صحيحة الذراعين ؟ أما أنا فصحتي أشبه شيء بحديث السكران وقد صرفت الصيف والخريف متنقلاً بين أعالي الجبال وشواطئ البحر ثم عدت إلى نيويورك أصفر الوجه نحيل الجسم لمتابعة الأعمال ومصارعة الأحلام – تلك الأحلام الغريبة التي تصعد بي إلى قمة الجبل ثم تهبط بي إلى أعماق الوادي .
وقد سررت باستحسانك مجلة الفنون فهي أفضل ما ظهر من نوعها في العالم العربي , أما صاحبها فهو فتى عذب النفس دقيق الفكر وله كتابات لطيفة وقصائد مبتكرة ينشرها تحت اسم " ليف" ومما يستدعي الإعجاب بهذا الشاب هو أنه لم يترك شيئاً مما كتبه الافرنج إلا وعرفه حق المعرفة . أما صديقنا أمين الريحاني فقد ابتدأ بنشر رواية جديدة طويلة في مجلة فنون وقد قرأ لي أكثر فصولها فوجدتها جميلة للغاية ولقد أخبرت صاحب الفنون بأنك سوف تبعثين إليّ بمقالة ففرح وبات يترقب .
بكل أسف أقول انني لا أحسن الضرب على آلة من آلات الطرب ولكنني أحب الموسيقى محبتي الحياة ولي ولع خاص بدرس قواعدها ومبانيها والتعمق بتاريخ نشأتها وارتقائها , فان ابقتني الأيام سأكتب رسالة طويلة في الدوائر العربية والفارسية وكيفية ظهورها وتدرجها وتناسخها .
ولي ميل للموسقى الغربية يضارع ميلي للأنغام الشرقية فلا يمر أسبوع إلا وأذهب مرة أو مرتين إلى الأوبرا غير أني أفضل من البيان الموسيقي الأفرنجي تلك المعروفة بالسنفوني والسوناتا والكنتاتا على الأوبرا والسبب في ذلك خلوّ الأوبرا من البساطة الفنية التي تناسب أخلاقي وتتمايل مع أميالي . واسمحي لي الآن أن أغبط يدك على عودك وعودك على يدك وأرجوك أن تذكري اسمي مشفوعاً باستحساني كلما ضربت نغم النهوند على الأوتار فهو نغم أحبه ولي رأي فيه يشابه رأي " كارليل في النبي محمد ". ( كارلايل : أديب ومؤرخ انكليزي درس بعضا من العربية في جامعة كمبردج سنة 1795 وكتب عن النبي محمد فصلا ضمنه إعجابه بشخصيته البطولية في مؤلفه " الأبطال , عبادة الأبطال , والبطولة في التاريخ "
وهلا تكرمت بذكري أمام هيبة أبي الهول ؟ عندما كنت في مصر كنت أذهب مرتين في الأسبوع واصرف الساعات الطوال جالساً على الرمال الذهبية محدقاً بالأهرام وكنت في ذلك العهد صبياً في الثامنة عشرة ذا نفس ترتعش أمام المظاهر الفنية ارتعاش الأعشاب أمام العاصفة , أما أبو الهول فكان يبتسم لي ويملأ قلبي بحزن عذب وندبات مستحبة .
أنا معجب مثلك بالدكتور شميل فهو واحد من القليلين الذين انبتهم لبنان ليقوموا بالنهضة الحديثة في الشرق الأدنى وعندي أن الشرقيين يحتاجون إلى أمثال الدكتور شميل حاجة ماسة كرد فعل للتأثير الذي أوجده الصوفيون والمتعبدون في القطرين مصر وسوريا .
هل قرأت الكتاب الفرنساوي الذي وضعه خير الله افندي خير الله ؟ أنا لم أره بعد وقد أخبرني صديق أن في الكتاب فصل عنك وفصل آخر عني فإذا كان لديك نسختان تكرمي بإرسال نسخة منهما إليّ وأجرك على الله .
ها قد انتصف الليل فليسعد الله مساءك ويبقيك للمخلص ...!!
نيويورك 2 كانون الثاني 1914
___________________________
من جبران لمي


عزيزتي الآنسة ميّ.

رجعت اليوم من سفره مستطيلة إلى البرية فوجدت رسائلك الثلاث والمقال الجميل الذي تفضلت بنشره في جريدة المحروسة . ولقد علمت من خادمي أن هذه الرسائل بل هذه الثروة الجليلة قد وصلت معاً منذ أربعة أيام . الظاهر أن البريد المصري قد توقف عن اصدار الرسائل من القطر مثلما حجز الرسائل الواردة إليه .
ولقد انصرفت عن كل ما وجدته بانتظاري في هذا المكتب لأصرف نهاري مصغياً إلى حديثك الذي يتمايل بين العذوبة والتعنيف – أقول التعنيف لأنني وجدت في رسالتك الثانية بعض الملاحظات التي لو سمحت لنفسي الفرحة أن تتألم لتألمت منها . ولكن كيف اسمح لنفسي النظر إلى شبه سحابة في سماء صافية مرصعة بالنجوم ؟ وكيف أحول عيني عن شجرة مزهرة إلى ظلّ من أغصانها ؟ وكيف لا أقبل وخزة صغيرة من يد عطرة مفعمة بالجواهر ؟ إن حديثنا الذي أنقذناه من سكوت خمسة أعوام لا ولن يتحول إلى عتاب أو مناظرة , فأنا أقبل بكل ما تقولينه لاعتقادي بأنه يجمل بنا وسبعة آلاف ميل تفصلنا ألا نضيف فتراً واحداً إلى هذه المسافة الشاسعة بل أن نحاول تقصيرها بما وضعه الله فينا من الميل إلى الجميل والشوق إلى المنبع والعطش إلى الخالد . يكفينا يا صديقتي ما في هذه الأيام وهذه الليالي من الأوجاع والتشويش والمتاعب والمصاعب . وعندي أن فكرة تستطيع الوقوف أمام المجرد المطلق لا تزعجها كلمة جاءت في كتاب أو ملاحظة أتت في رسالة. إذا فلنضع خلافاتنا , وأكثرها لفظية – في صندوق من ذهب ولنرمي بها إلى بحر من الابتسامات .
ما أجمل رسائلك يا ميّ وما أشهاها , فهي كنهر من الرحيق يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي أحلامي , بل هي كقيثارة اورفيوس ( شاعر وموسيقي تحدثت عنه أساطير اليونان , سحر بأنغامه وحش الغاب وآلهة الجحيم .) تقرب البعيد وتبعد القريب وتحول بارتعاشاتها السحرية الحجارة إلى شعلات متقدة والأغصان اليابسة إلى أجنحة مضطربة . إن يوماً يجيئني منك برسالة واحدة لهو من الأيام بمقام القمة من الجبل فما عسى أن أقول في يوم يجيئني بثلاث رسائل ؟ ذلك يوم انتحى فيه عن سبل الزمن لأصرفه متجولا في إرم ذات العماد.
وبما أجيب على سؤالاتك؟ وكيف أستطيع متابعة الحديث وفي النفس مالا يسيل مع الحبر ؟ ولكن لا بد من متابعة الحديث . فما بقي صامتاً ليس بالغير مفهوم لديك .
تقولين في رسالتك الأولى " لو كنت أنا في نيويورك لكنت زرت مكتبك الفني في هذه الأيام " أفلم تزوري مكتبي قط ؟ أليس رواء أثواب الذكرى الظاهرة جسد خفي للذكرى ؟ انما مكتبي هيكلي وصديقي ومتحفي وجنتي وجحيمي . هو غاب تنادي فيه الحياة الحياة وهو صحراء خالية أقف في وسطها فلا أرى سوى بحر من رمال وبحر من أثير . إن مكتبي يا صديقتي هو منزل بدون جدران وبدون سقف .
ولكن في مكتبي هذا أشياء كثيرة أحبها وأحافظ عليها . أنا مولع بالآثار القديمة وفي زوايا هذا المكتب مجموعة صغيرة من طرائف الأجيال وبعض نفائسها كتماثيل وألواح مصرية ويونانية ورومانية وزجاج فينيقي وخزف فارسي وكتب قديمة العهد ورسوم ايطالية وفرنسية وآلات موسيقية تتكلم وهي صامتة . ولا بد من الحصول يوما ما على تمثال كلداني من الحجر الأسود . إني أميل بكليتي إلى كل شيء كلداني فأساطير هذا الشعب وشعره وصلواته وهندسته بل وأصغر أثر أبقاه الدهر من فنونه وصنائعه ينبّه في داخلي تذكارات غامضة بعيدة ويعود بي إلى الماضي الغابر ويجعلني أرى الحاضر من نافذة المستقبل . أحب الآثار القديمة وأشغف بها لأنها من أثمار الفكرة البشرية السائرة بألف قدم من الظلام نحو النور – تلك الفكرة الخالدة التي تغوص بالفن إلى أعماق البحار وتصعد به إلى المجرة .
أما قولك " ما أسعدك أنت القانع بفنك " فقد جعلني أفتكر طويلاً , لا يا ميّ لست بقانع ولا أنا بسعيد . في نفسي شيء لا يعرف القناعة ولكنه ليس كالطمع , ولا يدري ما السعادة غير أنه لا يشابه التعاسة . في أعماقي خفقان دائم وألم مستمر ولكنني لا أريد ابدال هذا ولا تغيير ذاك – ومن كان هذا شأنه فهو لا يعرف السعادة ولا يدري ما هي القناعة ولكنه لا يشكو لأن في الشكوى ضرباً من الراحة وشكلاً من التفوق .
وهل أنت سعيدة وقانعة بمواهبك العظيمة ؟ أخبريني يا ميّ هل أنت قانعة وسعيدة ؟ أكاد أسمعك هامسة : " لا لست بقانعة ولا أنا بسعيدة " إن القناعة هي الاكتفاء والاكتفاء محدود وأنت غير محدودة .
أما السعادة فهي أن يملأ المرء نفسه من خمرة الحياة ولكن من كان كأسه سبعة آلاف فرسخ بالطول و سبعة آلاف فرسخ بالعرض لا ولن يعرف السعادة حتى تنسكب الحياة بكاملها في كأسه . أفليس كأسك يا ميّ سبعة آلاف فرسخ وفرسخ ؟
وماذا أقول عن " جوي المعنوي؟" لقد كانت حياتي منذ عام أو عامين لا تخلو من الهدوء والسلامة أما اليوم فقد تبدل الهدوء بالضجيج والسلامة بالنزاع . إن البشر يلتهمون أيامي ولياليّ ويغمرون أحلامي بمنازعهم ومراميهم فكم مرة هربت من هذه المدينة الهائمة إلى مكان قصيّ لأتخلص من الناس ومن أشباح نفسي أيضاً . إنما الشعب الأماركي جبار لا يكل ولا يمل ولا يتعب ولا ينام ولا يحلم , فإذا بغض هذا الشعب رجلا قتله بالإهمال وإذا أحبه قتله بالانعطاف فمن شاء أن يحيى في نيويورك عليه أن يكون سيفاً سنيناً ولكن في غمد من
العسل : السيف لروع الراغبين في قتل الوقت والعسل لارضاء الجائعين !
وسوف يجيء يوم أهرب فيه إلى الشرق . إن شوقي إلى وطني يكاد يذيبني ولولا هذا القفص الذي حبكت قضبانه بيدي – لاعتليت متن أول سفينة سائرة شرقاً . ولكن أي رجل يستطيع أن يترك بناءً صرف عمره بنحت حجارته وصفّها ؟ حتى وإن كان ذلك البناء سجناً له فهو لا يقدر أو لا يريد أن يتخلص منه في يوم واحد .
سامحيني أيتها الصديقة العزيزة فقد أزعجتك بالكلام عن نفسي وبشكواي من أمور أدعى إلى الجهاد منها إلى التذمر .
إن استحسانك " المواكب" قد جعلها عزيزة لديّ . أما قولك بأنك ستستظهرين أبياتها فمنّة أحني أمامها رأسي , غير أنني أشعر بأن حافظتك خليقة بقصائد أسمى وأبلغ وأنبل من كل ما جاء في المواكب , بل ومن كل ما كتبته وأكتبه . وأما قولك في رسوم الكتاب " أنتم أهل الفن تبرزون هذه البدائع بقوى أثيرية احتفظتكم عليها ملوك الجوزاء فنأتي بغباوتنا أشقياء مظلومون ونحن بها أشقياء خاسرون " فكلام لا أقبله بل إني استميحك بالتمرد عليه و ( ما أكثر تمردي) – أنت يا ميّ منا وفينا . بل وأنت بين بنات الفن وأبنائه كالوردة بين أوراقها . إن ما جاء في مقالتك التي نشرت في " المحروسة" عن رسوم المجنون لأكبر دليل على شعور فني عميق وفكرة خاصة دقيقة وبصيرة نفاذة ترى ما لا يراه غير القليل من الناس . ولست بمبالغ إذا قلت بأنك أول صبية شرقية مشت في غابة " الأخوات التسع ( إشارة إلى الآلهات التسع في الميثولوجيا الاغريقية المشرفات على الآداب والفنون وقد عرفن بأسماء عديدة في عصور التاريخ القديم .) بقدم ثانية ورأس مرفوع وملامح منفرجة كأنها في بيت أبيها . ألا فأخبريني كيف عرفت كل ما تعرفين وفي أي عالم جمعت خزائن نفسك وفي أي عصر عاشت روحك قبل مجيئها إلى لبنان ؟ إن في النبوغ سراً أعمق من سر الحياة .
وأنت تريدين أن تسمعي ما يقوله الغربيون عني , فألف شكر لك على هذه الغيرة وهذا الاهتمام القومي . لقد قالوا الشيء الكثير وكانوا مبالغين في أقوالهم متطرفين في ظنونهم متوهمين وجود الجمل في وكر الأرنب . ويعلم الله يا صديقتي بأنني ما قرأت شيئاً حسناً عني إلا ونحت في قلبي . إن الاستحسان نوع من المسؤولية يضعها الناس على عواتقنا فتجعلنا نشعر بضعفنا . ولكن لا بد من المسير حتى ولو قوّص الحمل الثقيل ظهورنا , ولا بد من استنباط القوة من الضعف . أنا باعث إليك في غلاف آخر بشيء من أقوال الجرائد والمجلات وستعلمين منها أن الغربيين قد ملوا أشباح أرواحهم وضجروا من ذواتهم فأصبحوا يتمسكون بالغريب الغير مألوف خصوصاً إذا كان شرقياً . هكذا كان الشعب الأثيني بعد انقضاء عصره الذهبي . لقد بعثت منذ شهر أو أكثر بمجموعة من أقوال الصحف في المجنون إلى اميل زيدان ( تولى رئاسة تحرير مجلة الهلال سنة 1914 التي أسسها والده الأديب العلامة جرجي زيدان .) وهو بالطبع من أصدقائك .
أحمد الله وأشكره على انقضاء الأزمة عندكم . ولقد كنت أقرأ أخبار تلك المظاهرات فأتخيلك هائبة فأهاب , مضطربة فاضطرب . ولكنني كنت أردد في الحالين قول شكسبير :
Do not fear our person .
There’s such divinity doth hedge a king
That treason can but peep to what it would
Acts little of his will .
لا تخافي منا
فالملك تحيط به هالة من القداسة
وليس في مقدور الخيانة
أن تبلغ ما ترمي إليه
أو تحد من عزيمته
وأنت يا ميّ من المحروسين وفي نفسك مَلَكٌ يحميه الله من كل مكروه .
وتسألين ما اذا كان لكم من صديق في ربوعنا ؟
أي والحياة وما في الحياة من حلاوة جارحة ومرارة مقدسة إن لكم في ربوعنا صديقاً إرادته تدافع عنكم ونفسه ترغب في الخير لكم وابعاد السوء عنكم وتحميكم من كل أذى . وقد يكون الصديق الغائب أدنى وأقرب من الصديق الحاضر . أفليس الجبل أكثر هيبة وأشد وضوحاً وظهوراً لسائرٍ في السهل منه لساكنيه ؟
ها قد غمر المساء هذا المكتب بوشاحه فلم أعد أرى ما تخطه يدي . وألف تحية لك وألف سلام عليك والله يحفظك ويحرسك دائماً .

صديقك المخلص
جبران خليل جبران
نيويورك حزيران – 1919


كلما مررت بهما لا أملك أدمعي ،،،
مرارة لا توصف  تهطل على روحي ،،،
مشاعر غريبة تغلف وجودي،،،
مشاعر لا أفقهها لكني أدرك عمق ما تفعله بي ولي ،،،،
جبران / مي
لروحكما مني سلام ومحبة ما حييت ...

هنا جزء من رسائل كانت بينهما ،،،
رسائل عشت عمري بأكمله أحلم بأن تكون لي ...
تربيت على رسائلهما
كبرت بها ومعها
وكبرت بي انتظاراتي لــ جبران يأتيني على صهوة رسالة !!!
وحتى اليوم ما زلت أنتظره...
شاب العمر وما شابت انتظاراتي يا جبران....
فمتى ستأتي ؟؟؟؟
ناديا الشراري
الثلاثاء 19 فبراير 2013م
01:45ص