السبت، نوفمبر 20، 2010

الكرباج (قصة)

(((الـــــــــكربــــــــــــاج)))
........................................................................
........................................................................
الهدوء يعم المكان..أشعة الشمس تحتضن كل شيء بدفء..وأوراق الشجر تتمايل بدلال كلما داعبتها نسمات الهواء الرقيقة..جلست هي بصحبة فنجان من القهوة رفيقتها الدائمة تنظر لكل شيء حولها بعشق..
وفجأة ظهر أمامها زوجان يتشاجران في حديقة منزلهما بينما جلس الطفل في ركن بعيد ترتعش أوصاله يبكي بصوت مخنوق ...أثار هذا المنظر بركان من ذكريات طفولتها وعادت بها الأيام للوراء لشجارات أمها وأبيها وكيف كانت خائفة وحزينة لرؤية أمها وهي تهان وتذل على يدي ذلك المتعجرف ..
كانت تبكي وتبكي حتى تنام ولا تجد من يمسح دمعتها...من يحتضنها...
:_كفى!! كفا عن هذا..ألا تخجلان من نفسيكما؟ تتشاجران أمام طفل صغير ..يالكما من حمقى ..
تفاجئ الرجل وزوجته لصراخها فصاح بها وهو يلهث
:_لكن ما شاْنك أنتي ؟..أنا زوجها ومن ..
:_إصمت أيها العربيد ..زوجها..زوجها ولكن لست سيدها وليست جارية في خدمتك ..إن أردت الصراخ مرة أخرى فأذهب بعيداً عن هذا المكان وليس أمام طفل أيها الجاهل ..تتقاوى على امرأة يا للرجولة ..يا للرجولة ..
ثم ألقت بفنجانها لتستقبله الطاولة أشلاء..وأسرعت نحو الداخل ..
غضبت جداً مما رأت ..يا لكرهها للرجال
:_زوجها ويعتقد أن هذا يعطيه الحق لإهانتها ..لضربها..ياله من ظالم ..لا لا ليس هو المخطىء..هي أيضاً تشارك في هذه المأساة تقف دائماً خائفة أمامه ..ضعيفة..وتقول زوجي وهو المحق من حقه أن يفعل ما يحلو له بي ولا يجوز أن أرد عليه بحرف هكذا علمتنا  أمهاتنا..تباً لأمهاتنا كم كن ضعيفات ..سلبيات..
كانت تريد تحطيم كل شيء ..كم تمنت ضرب ذلك الرجل وسحقه وتلك المرأة الانهزامية  لكن لا تستطيع فعل هذا أو ذاك... لم تستطع فعل شيء سوى البكاء أخذت تبكي بشدة ..تغسل بعضاً من همومٍ عالقة في صدرها..

غفت عيناها على الأريكة ولم تفق إلا على صوت زوجها

:_منى..منى..أفيقي حبيبتي ..منى

:_أحمد..أنت هنا..متى جئت؟

:_عدت للتو..أنهيت عملي لنقضي الليلة سوياً..فأنا لم أجلس معكِ منذ وقت ..أرجو أن لا يضايقكِ هذا
:_ لابأس ...نهضت وغادرت المكان ..لم يبقى سوى صدى صوتها يقول ..سأعد لك العشاء.....
.......................................................................................................



بينما كانا يجلسان سوياً حول مائدة الإفطار قالت منى بهدوء
:_ أحمد..سأذهب اليوم إلى منزل والدي ..ربما سأظل هناك بضعة أيام
:_يا إلهي متى قررتي هذا الأمر...لم تخبريني به مسبقاً
:_يا للكارثة..لم أخبرك..أعذرني نسيت أن أأخذ الإذن منك مولاي..إرحمني لا تغضب أرجوك سيدي...قالتها بسخرية ممزوجة بالغضب والإنفعال

:_ما بكِ منى..لما تتحدثين معي بهذه الطريقة؟؟

:_وبأي طريقة تريدني أن أحدثك؟؟أن أخضع لك وأركع بين يديك وأخفض نظري للأرض وأتوسل وأتوسل حتى تحن علي..أليس هذا ما تريد؟؟
:_منى...أنا ..
:_زوجكِ أعلم هذا جيداً ومللت من هذا أيضاً...كم مرة سأعيد ما قلته أنت زوجي لكن لك شخصيتك ولي شخصيتي ..لك حياتك ولي حياتي ...لك حريتك ولي حريتي ..أتفهم حريتي ...
أدهشته طريقة كلامها ..لكنه لم يفعل شيء بل نهض حاملاً حقيبته وسار نحو الباب..وعندما هم بالخروج قال لها دون أن يلتفت نحوها
:_إفعلي ما يحلو لكي عزيزتي لن أمنعكِ لن أقيد حريتكِ ..لكن تذكري دوماً إن الزواج ليس سجناً..ليس إغتيالاً للحرية ليس إستعباداً ..ثم تنهد وأردف قائلاً

:_عموماً سألحق بكِ بعد عدة أيام..وداعاً..

أغلق الباب خلفه بهدوءٍ أغضبها ..ليته إنفعل ليته صرخ في وجهها حتى تشعر أنه أخطأ ..حتى يرحمها من عذاب الضمير..دوماً تخطيء بلا شعور ..تخسر كل شيء بلا ذنب يا للبؤس..
...................................................................................................................................


استقلت أول قطارٍ يحملها لذلك المكان ..حيث أمها ..آه يا عائشة كم أشتاق لصدركِ الحنون أرتمي عليه ...أستقي الحب والأمان من دفئه..
كانت حسناء النهار قد سحبت آخر جديلة من جدائلها الذهبية عند وصول منى ..إلى مدينتها لم تشاء أن تستقل سيارة أجرى تحملها لمنزلها ..فضلت السير على قدميها..فلم يكن معها حقائب ملابس..لاشيء سوى حقائب من الشوق واللهفة والحنين للماضي ..
الشوارع هي هي ..هادئة ..الفوانيس حزينة ناعسة ..والليل كما عهدته جميل ..حنون..يصغي لأهات المعذبين ..يستر أنات المشردين ..
كل شيء على حاله...حتى منزلي كما هو هجره الحب ..هجره الدفء العائلي ..أنقاض من عواطف باردة..

سرت نحو الباب الرئيسي..فتحته..يا الله!!الحديقة ذبلت أزهارها..إصفرت أشجارها ...

تركتها وقد أذهلني منظرها البائس ..دلفت إلى الداخل..الصالة بلا أضواء..وكذلك الغرف..لا نور و لا نار ..شعرت أن شيئاً قد حل بالمكان ..وجدت نفسي أندفع بشوق نحو غرفتها ..أشعر بخوفٍ لو لم أجدها..أمي..أمي..
الحمد لله هاهي على سريرها ..إستقر قلبي في مكانه بعد أن كان قد وصل الحلقوم..أسرعت نحوها أقبلها ..أحضنها أحضن أيامي الماضيات..
:_أمي ..كيف حالكِ اشتقت  إليكِ
:_أهلاً بنيتي أين كنتِ طيلة هذه الفترة؟لم أركِ ولم أسمع صوتكِ...يا لقسوة قلبك
:_اسفه والدتي ..سامحيني..كنت متعبة وما زلت أمي
:_سلامتكِ عزيزتي من التعب..هل زوجكِ معك؟؟
:_لا أنا وحدي أمي..عدت لكي كما ذهبت..وحدي لاشيء معي..سوى حبي لكي وإنتمائي لهذا المكان
:_أما زلتي تصارعين الدنيا يا منى؟أما أتعبتكِ الأيام؟بنيتي..
:_بل قتلتني ..دمرتني..سحقتني..لكن برغم كل شيء لابد من الإستمرار في المعركة والمضي في هذه الحياة..
أردت الهروب من أمي لأبكي براحتي على وسادة سريري ..لا بد أنها إشتاقت لدموعي ..لصراخي المكتوم...لأهاتي المخنوقة..
:_والدتي..سأذهب لأغير ملابسي وأعود لكي..
:_حسناً..وأنا سأعد  شيئا تأكلينه..ما رأيكِ؟؟
:_لا بأس فأنا جائعة..
كانت غرفتي كما تركتها..كل شيء فيها كما عهدته ..إلا هذا الغبار الذي إحتضن أغراضي كلها لم يكن هنا عندما رحلت..إنه دخيل على مكاني..

حسناً كانت الملابس في الدولاب نظيفة..وفي حالةٍ جيدة..إرتديت ثوباً وأسرعت لوالدتي..

يا للحياة التي دبت في المنزل فجأة ورائحة الطعام الذكية التي عطرت المكان..شعرت أن كل شيء حولي سعيد..يشكرني على حضوري..
:_آه..ما ألذ طعامكِ  أمي ..سلمت يداكِ..
:_لم تأكلي جيداً بنيتي
:_بل لم أأكل كهذا الأكل منذ فترة
:_صحة وعافية
:_على قلبكِ أمي ..أمي ما رأيكِ بفنجانين من القهوة من صنع يدي..ألم تشتاقي لقهوتي؟؟
بلى حبيبتي..أشتاق ...أشتاق لكل شيء يخصكِ..صغيرتي...
:_أما زلت صغيرتك...بعد كل هذا العمر؟؟
:_صغيرتي لو مرت ألف سنة.
:_أحبكِ أمي...أحبكِ بعنف..

إحتضنتها وتمنيت لو أقضي ما بقي لي من عمر في حضنها.

:_حسنا..هيا..أخبريني يا عائشة كيف حال قهوتي؟
:_جميلة..مثلكِ    ....جميلة؟..مثلي..؟ وهل أنا جميلة كما كنت؟؟
:_ما بكِ منى تتكلمين وكأن عمركِ دهر؟؟ألا تعلمين أنكِ في الثالثة والعشرون فقط؟
لم أكن أعلم أنني مازلت صغيرة هكذا..لما أتصرف وكأنني أودع الحياة؟..لما أشعر أنني قد شخت وأصبحت طاعنة في السن؟
:_منى ...منى...أين ذهبت بكِ أفكاركِ؟؟
ها..لا...لا شيء أمي..كنت أفكر ماذا سأفعل بهذه الحديقة..لابد من إعادتها كما كانت
:_لا فائدة بنيتي..لا تتعبي نفسك
:_ولما لا يا أماه؟إن هذه الأرض طيبة مهما هجرناها تحن إلينا ..مهما قسونا عليها..تعطف علينا..لمسة حنان واحدة تداعب رملها تعود كما كانت وأكثر..
:_كما تشائين ولكن ستحتاج وقت..وأنتي لن تبقي هنا طويلاً..
:_بل سأبقى طويلاً..طويلاً جداً يا أمي
:_ماذا تعنين؟؟
:_لاشيء صدقيني مازال أحمد زوجي..لا تخافي..ربما سيأتي بعد أيام فإهدئي وإهنئي بالاً..
إرتاحت بهذه الكلمات ..كانت تخشى أن ننفصل ..يا للحسرة؟!..متزوجون على الورق..منفصلون عاطفياً..فكرياً..روحياً..مالفرق؟..لاشيء ..صورة غير واضحة..سحقاً..
................................................................................................


استغرق ترتيب الحديقة والمنزل بضعة أيام ..كثفت فيها كل جهدي لمسح الحزن الذي حل بالمكان..بدأت بزراعة عدة نباتات ..طليت الجدران المهترأه ..حسناً أستطيع القول أنني قمت بعمل أستحق عليه وسام ..وقد نلته من وجه أمي..إبتسامة فرحٍ أشرق بها وجهها كافيةً لتنسيني كل تعبي
رضاكِ أمي  وسام أعلقه على صدري..أزين به دفتر أعمالي أمام خالقي
:_ما رأيكِ يا ست الحبايب ..أليس للقهوة الآن نكهة أخرى؟؟
:_لكن تعبتِ يا منى كثيراً
:_لا..لا أمي لم أتعب أبدا بل سعدت كثيراً
:_ياه بنيتي كم أنتِ طيبة
    نظرت إلي نظرات هي مزيج من الحب والزهو والشوق
:_لما تنظرين إلي هكذا أمي ؟؟
:_ليس هناك ماهو أجمل من عينيكِ ..دوماً أرى فيهما بريق التحدي..تصرين على فعل شيء فتفعلين ولا شيء يمنعك ..عنيدةٌ أنتِ كما عهدتك بنيتي ..حفظك الله لي
:_وحفظك لي ومتعك بالصحة والعافية يا أغلى أم في هذه الحياة .
:_آه..حقاً منى تذكرت شيئاً
:_ماهو؟؟
:_مقالكِ الأخير ..قرأته منذ أيام في الجريدة..كان رائعاً..ولكن لما تستمرين في الكتابة بإسم مستعار  ..لقد توفي والدك ..وهو من كان يمنعكِ...لما..
:_لا..أمي لن أجد من يمنعني من فعل شيء بعد رحيل والدي لكن أحببت هذا الإسم ..هذا كل شيء ..عموماً دعينا من هذا..إسم حقيقي .. إسم مستعار المهم نشر المقال
:_كما تريدين..
لحق بي أحمد بعد عدة أيام ..رحبت به أمي وإستقبلته بحفاوة ..إجتمعنا في ذات الليلة حول مائدة الطعام ..
:_أتعرفين منى..والدتكِ رائعة ..أحسدكِ عليها..
:_بني أشكر لك لطفك
    لم أكن أصغي لهما ..كان شيئا ما يشغلني..لست أعيه؟؟
:_هيه...منى ..أين وصلتِ؟؟
:_ها..أحمد..أتحدثني؟؟
 :_أجل..ما لذي يشغلك؟؟
:_لا شيء سأذهب لأعد لك غرفة تنام فيها..
:_ولما غرفة بنيتي..غرفتكِ جاهزة..
:_لا...؟!..غرفتي  لا..أقصد ليست على ما يرام..عن إذنكما..
  أسرعت نحو الغرفة التي أردت إعدادها لأحمد ..لا أريده أن يدخل غرفتي ..لن يقتحم عالمي الخاص..تزوجته مرغمةً لكن لن أرغم على تدخله في ذكرياتي..
لن أسمح لكائن  كان أن يدخل جنتي بعدك يا..يا خالد..أشعر أن أنفاسك مازالت تعطر المكان ..لذا لن يدخلها ثمة رجلٍ آخر بعدك..حتى وإن كانت الأرض قد إحتضنتك لن أنساك ما حييت..أبداً
..............................................................................................................................


       في الصباح إستيقظت قبل الجميع أعددت لنفسي كوباً من القهوة ..فقد كان رأسي يكاد يتحطم بسبب الصداع الفظيع..لا أعرف من أين جاءني هذا الصداع ..ربما من كثرة عتب أحمد ليلة البارحة لأني منعته من دخول غرفتي..أو لإستياء والدتي من فعلتي هذه..حسناً لا شأن لي إلا بذكرياتي ..سأحافظ عليها مهما كان الثمن..
:_صباح الخير..
   أفزعني أحمد عندما رأيته يقف فوق رأسي وأنا أحتسي قهوتي..لم أشعر بحضوره..
:_صباح الخير..هل نمت جيداً؟؟
:_ربما..لكن أفضل منكِ!!
:_ماذا تعني أحمد؟؟
:_لا...لا... عزيزتي لا رغبة لي في دخول مناقشة معكِ ..لأني سأغادر
:_ستغادر؟؟
:_نعم فعملي أكثر شيء يقدرني...يبدو أنكِ بحاجة للخلو بالذات بعض الوقت..
:_كما تشاء...أنت حــــر
:_حر..وهذه هي المشكلة...(قالها بحسرة ثم أردف )..هلا أعددتي لي فنجان من القهوة ..أشعر بصداع في رأسي
:_أجل سأعده لك حالاً
مسكين يا أحمد ..أعلم أنك تحبني ..لكن مشكلتك معي أنك لا تعرف كيف تحبني..لا تعرف أنني بحاجة لحبٍ يحتويني ..كلما إختلفنا بعدت عني وكم أحتاج قربك مني ..تبعد ..فيقترب الماضي ..يتجسد في داخلي..يحتلني..
لا تريد أن تغضبني ..لكنك ستخسرني يا أحمد ..هذا إن لم تكن قد خسرتني..
إندلقت القهوة على أصابعي ..
:_آه..
:_تعلمي أن تنتبهي لما تفعلينه عزيزتي (صاحب بالين كذاب)
:_تفضل قهوتك..ولا تكثر من الفلسفة..
:_آه..ليت الفلسفة تجدي معكِ..
:_لما لا تبقى معي بضعة أيام؟؟بعدها نعود سويةً.
:_لا...لا يا منى لا أستطيع أن أعيش في مكان أشعر فيه أني غريب
:_من قال هذا؟؟
:_نسيتي ليلة البارحة؟هي قالت هذا
:_أحمد..دعك من غرفتي ..المنزل كله ملك لك إلا غرفتي مالذي يهمك بها؟؟
:_أنتِ
:_أنا معك..ملكك
:_منعتني من التعرف على عالم ذكرياتكِ..خفتي عليها مني ..لو أحببتني يا منى لدمجتني مع عالمكِ..حاضركِ...وماضيكِ..إنما لا..لا جدوى..حائطٌ  فاصل بيني وبينكِ ثمة حلقةٍ مفقودة في علاقتنا لا أجدها
:_هيا إرحل...إرحل....دعني وإرحل ..صرخت به منفعلة
:_أجل هذا ما سأفعله...أجاب ببرود
:_وهل تتقن غير الرحيل ..يا..زوجي!!قلتها بلا مبالاة ثم دلفت إلى الداخل
..................................................................................................................



           مر يوم...وراء يوم....ليل يتبعه نهار....ويلحقه ليل ....فيغتاله نهار ..وأنا أذبل لحظة تلو الأخرى ولا أجد شيءً يسليني.
      كانت عائشة أقوى بكثير مني....يالها من إمرأة ..بليت برجل قاسي ..عنيد...ظالم...فتحملت...أنجبت وصبرت...ومر الزمان فمات الزوج ورحل الأولاد...بقيت وحيده لا تملك شيء...حتى الذكريات لم تعد تملك ذكريات تعنيها..آه منك يا أبي ..ألغيت كيانها..وتجاهلت هويتها..
أبي!!غرفة أبي لم أزرها منذ مجيئي هنا؟؟
وجدت نفسي أسير نحوها ..تتسارع نبضات قلبي ..قطرات عرقٍ ندت جبيني..خوفُ ما يهزني..كما لو كان موجود؟..توقعت أن أجده عندما أفتح الباب..أن أراه ينتظرني وبيده الكرباج..وفي عينيه نظرة كره لكل شيء..شعرت أن صراخه يملأ أذني..لكن لم أجده؟!.لم أجد سوى الكرباج..أمسكت به ..خفت... كم أكل هذا الكرباج من جسدي حتى شبع..
:_أرجوك أبي لا تفعل هذا بي دعني
:_بل سأشبعكِ ضرباً حتى تعرفي أن الله حق
:_لا..لا..لا تضربني..لا..دعني
:_منى ...منى..ما بكِ يا منى؟
:_أمي..أمي أبي سيضربني..لم أفعل شيء لا تدعيه يضربني..لا تدعيه أمي
:_تعالي معي بنيتي ..تعالي...لما فتحتي هذه الغرفة؟؟
            لا أعلم لماذا كانت يدي محكمةً بمسك الكرباج؟..حاولت أمي إنتزاعه مني لكنها فشلت..لم أفلح بالتخلص منه إلا عندما تذكرت أن أبي قد مات ..عندما إبتعدت عن غرفته..أسرعت بإلقاء الكرباج في الموقد ..إشتعل..تبخر..وتبخرت معه آلامي  ..قطراتُ من دمي..رغم كل ما فعله بي أبي ..أحبه..لا..لا أكرهه يا إلهي لا أعرف حقيقة شعوري نحوه..ماذا كان سيحصل لو أخذني في أحضانه؟لو هدهد على شعري..لو قبلني يوماً آه لا أريد  حتى التفكير ..أريد أمي..
:_أمي...أمي
:_ما بكِ حبيبتي؟
:_أنا خائفة أمي ..خائفة من كل شيء حتى من نفسي
:_لا تخافي حبيبتي وأنا معكِ..لن يقترب منكِ أحد
:_أجل أمي أبعديهم عني..لا تدعيهم يأخذوني..لن يؤذونني إن إحتضنتني أكثر..أكثر أمي أكثر
...............................................................................................................




........لسه فاكر قلبي يدي لك أمان........
.......و لا فاكر كلمه حتعيد اللي كان..........
...........لس...........
:_لا أمي لما أغلقتي المسجل؟؟
:_لأتحدث معكِ
:_تفضلي...عما تريدين التحدث معي؟؟
:_عن أحمد..مضى وقت طويل منذ غادرنا ولم تتصلي به...
:_و لما أتصل لا أريد سماع صوته أو رؤيته
:_منى هذا زوجكِ....لا يحق لكي أن تقولي عنه كلام كهذا
:_أمي دعينا من أحمد..ومن حكايتي مع أحمد
:_لكن..
:_أرجوكِ أمي ..دعينا من الحديث في هذا الموضوع
...............................................................................................


               ما أجمل الجلوس حول الموقد...في الليل البارد...
:_أمي..أريد أن أسألكِ سؤال يشغلني منذ وقت
:_إسألي..
:_منذ متى ونحن نحتفظ بهذا الطير الذي في القفص يا أمي؟؟
:_منذ زمنٍ ليس ببعيد
:_لما نحبسه؟؟..لما نحرمه حياته؟
:_نحن لا نحبسه..بل نطعمه..ونسقيه..فماذا يريد أكثر من ذلك؟
:_أجل ..نطعمه..ونسقيه..ونحرمه أجمل حقوقه..حريته..
:_لو كان الوضع لا يعجبه لثار..لهاج وماج حتى نخرجه..لكنه هادي ..يبدو لي أن الحياة تروق له بهذا الشكل
:_لا..أمي..إنه هادئ لأنه يسخر منا..أتعلمين أمي..أنه يرانا ويرثي لحالنا؟..هو سجين داخل قفص..خلف القضبان..يعلم ما يقيده..أما نحن ..فكلنا سجناء ..ولا نعلم من سجاننا..كل واحد منا أسير شيء ما..يبحث عن مدى أسره فيخفق............أنا مثلاً..أسيرة الماضي .......أسيرة ظلم أبي وضعفكِ...........أسيرة حبٍ لم أهنأ به وحبيبٍ لم أستطع أن أنعم بالعيش معه.........كل هذا خلق مني إنسانة ضائعة من نفسها.....لذا هذا الطير يعجبه قفصه....فحرب مع عدوٍ تعرفه مهما كان قوياً..خيرٌ ألف مره من حرب مع عدوٍ تجهله ولو كان ضعيفاً.....مساكينٌ نحن أمي كلاً منا أسير ذاته متقوقعٌ على نفسه..يقتل نفسه بنفسه...تباً لنا ..لكن بما أننا لا نستطيع  تحرير أنفسنا ..لما لا نحرره..سيأتي يوماً نحرره فيه..أعلم هذا
:_إيــــــه يا منى...مازالت الطفلة الخائفة تعيش داخلكِ
:_كلنا أطفال أمي..نبحث عن الأمان ..عن الأمان ولا نجده...لأننا كلنا نفتقر إليه..وفاقد الشيء لا يعطيه
.................
             رنين الهاتف قطع علينا محاكمة أنفسنا
:_نعم..من يتحدث؟
:_مرحباً منى أنا أحمد....إنني قادم إليكم..........ألا تريدين أن أحضر معي شيء؟
:_أجل أرسل لي ورقة الطلاق من فضلك........ولا تحضر بنفسك....فقط إبعث لي   مفتاح حريتي؟؟.......
................................
                    حينها شرعت نوافذ العمر على شواطيء الحب والحرية...........
وفتحت للطير أبواب قفصه......فلم يتردد في مغادرته ....مثلي أنا لم أتردد في طلب الطلاق من أحمد..........
لأني لن أتردد في أن أعيش البقية الباقية من حياتي حرة طليقة..............................
................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................                                                                                    نــــاديـــــا الشـــــــــراري
                                                                                        الســـــــــــــــــــبت30/1/1999م   
   



  

      
  







   

     
  
       

 
    

         

الجمعة، نوفمبر 19، 2010

فوضى مرتبة جدا

كنت يوما قد سمعت أن الشخص الذي يضحك بكل قواه... يحترق في أعماقه !!!
فهل يعني هذا أن الشخص الذي يثرثر بشراهة...أخرس الوجدان؟؟؟

عجبا لنا نحن البشر
نضحك لنقهر الدموع ونشتت تركيز الحزن
نثرثر لنُفقِد أفكارنا الطريق إلى مسامعنا
لما نتصرف على النقيض التام مما نحن عليه عاطفيا ووجدانيا؟؟؟
حتى لا يصبح ضعفنا عاريا أمام الجميع؟؟
حتى لا نواجه أوجاعنا؟؟
ممن نختبئ خلف تلك الأقنعة؟؟
منهم؟؟
منا؟؟
********
****
عندما ينتهي العرض
               يغادرون جميعهم قاعة المسرح
يسدل الستار على براعة أدائي
تتلاشى الأصوات
فلا يبقى سوى صدى هتافاتهم السطحية
((سعيدة..
ناجحة..
ذكية..
حرة..))!!!!
وتختفي الصور
لا يعد هناك سوى ظلي الباهت
ظلي الملقى على الجدران
على الكراسي
على الستائر
الآن أصبحت أنا كلهم
مؤلف المسرحية .....أنا
مخرجها....أنا
أبطالها....أنا
الكومبارس....أنا
الجمهور....أنا
محور المهزلة كلها.....أنا
لكن الأداء الآن سيختلف
الأدوار ستنقلب
لا أقنعة
لا رتوش
لا بهرجة
لا زينة
لا شيء سوى أعماق عارية
نفس بشرية مجردة
تحت بقعة ضوء
ضوء الحقيقة الذي يكشف أدق التفاصيل المشوهة
فهل سيكون للهتاف صوت؟؟
للتصفيق أيدي؟؟
تخفت الأضواء
تفترش العتمة الوجود
لا يبقى سواي
وحدي أحترق تحت الضوء
*******
****
 في لحظات تفاجئني ذاتي
أكتشف فيها مهارات كنت أجهلها
كمهارة تزييف الواقع
 وإعادة بلورة الحقائق
بما يتناسب معهم؟!!!
كم أنا حاقدةٌ علي..
وكم هو حقيرٌ عالمهم....
******
***
تلازمني البسمة
ويحتضنني الصمت
فقط في وجودهم
لذا أتقبلهم
جحيم الوقت معهم
أرحم من الوقوف أمام محكمة وحدتي....
******
***
ناديا
19 نوفمبر 2010م