الثلاثاء، نوفمبر 16، 2010

لحظة فقط

لحظة فقط!!!
أوراق متناثرة...صورا مبعثرة...أدراج مقلوبة...ملا بس ملقاة على الأرض والسرير...كم هائل من الفوضى يلغي معالم المكان...وهي بين هذا وذاك تروح وتجيء بحركات عشوائية ...يداها في شغل لا ينتهي ...عيناها تبحث عن شيء لا تدركه...وشفتاها تتمتم كلمات لا تفهم...
جاء صوت الجرس واضحا في فوضاها ...خرجت مسرعة لتفتح الباب...
كانت صديقتها الحبيبة فاطمة...
:- أهلا فاطمة.
:- حقا أما زلت تذكرين إسمي!..
وتبادلتا القبل والعناق على عتبة الباب...
:- آه يا صديقتي ..معك حق أعتذر لتقصيري.
دخلت فاطمة إلى المنزل وهي تنهال بكم من عبارات العتب واللوم لعدم تواصل ندى معها وعدم ردها على إتصالاتها ورسائلها...بينما تجاهلت ندى كعادتها الرد وتشاغلت بوضع إبريق القهوة على النار كي تهرب من مواجهة صديقتها ...
:- يا إلهي ..ندى ما هذه الفوضى!!هل تعرضت للسرقة؟...
ضحكت ندى بملأ روحها ...و أجابت وهي تضع القهوة على طاولة الخيزران في الصالة.
:- لا لم أتعرض للسرقة ولكنني أجهز نفسي .
جلست فاطمة وتناولت فنجان القهوة ..إرتشفت منه رشفة ثم أردفت
:- تجهزين نفسك؟؟؟آه إذا في الموضوع عريس ..لهذا السبب كنت مختفية طيلة الوقت عني...
:- لا يا صديقتي ..تمهلي ..لا عريس ولا غيره..كل ما في الحكاية أنني قررت أن أجهز نفسي للموت!!!
:- ماذا؟!!!
قالتها وقد سقط من يديها الفنجان وعلت الدهشة ملامحها..
:- ما ذا دهاك ...لا تخافي أنا بخير ..
:- أي خير هذا و أنت تتحدثين عن الموت...
نهضت ندى من مكانها..أحضرت فوطة لتمسح القهوة...
:- سأحضر لك فنجان آخر.
:- لا أريد قهوة
بهذا صاحت فاطمة وهي تمسك يد ندى التي جلست مكانها تحاول أن تهدئ من روع صديقتها..
:- عذرا عزيزتي يبدو أنني أسأت إختيار الكلمات.. سأشرح لك ..
و أخذت ندى تتحدث بعد أن أشعلت سيجارة...
كانت كلماتها تخرج من بين شفتيها بإنسيابية تامة...وبهدوء غريب ...
:- منذ وقت توفيت إحدى السيدات في هذا المبنى..وبعد وفاتها وجدوا في بيتها أشياء كثيرة..ليس هذا المهم ..لكن لفت إنتباهي شيء يبدو أننا غفلنا عنه ...و شغلتنا الحياة عن التفكير به...
:- ما هو؟؟
:- الموت يا عزيزتي...ذلك الزائر الذي يجيء فجأة دون سابق إنذار.
:- الموت!!!
:- نعم ..الموت...
نهضت ندى من مكانها ...ووقفت أمام النافذة ..كانت تنظر في فضاء بعيد..لا يدركه سواها..تنهدت بعمق..و أكملت حديثها...
:- سألت نفسي ..ما ذا لو مت فجأة؟...وجلست أفكر بما سيحدث بعد موتي...أتصدقين أنني رأيت تفاصيل رحيلي كاملة!!
:- مجنونة دوما لا شيء جديد.
:- لا يا صديقتي ليس جنونا..بل بعضا من الحكمة...رأيت أناسا يدخلون بيتي..يغتصبون أشيائي ..يتطفلون على أوراقي ..يعرون تاريخي وذكرياتي...
رأيت عيونا تستبيح خصوصياتي...وشفاها تغتاب رحيلي...خجلت من أشياء قد يعرفوها...من حقائق قد يكتشفوها...
لذا قررت أن أعيد تنظيم كل شيء...قررت أن أحرق دفاتر مذكراتي..أن أحرق صورا لا أريد لأحد بعدي أن يراها...قررت أن لا أكون حديث الناس بعد رحيلي ...هل فهمتي؟..
:- لا ولكن بما أنك من يتحدث فلا بد أن لا أفهم...
وعادت ندى للمطبخ تعد لصديقتها القهوة ..وتشرح لها بتفصيل أدق وجهة نظرها...بينما إكتفت فاطمة بالإصغاء ...
.......................................................................................
......................................................................................

                      الموت حقيقة مؤكدة...قضاء لا يد لنا به...لا نعرف على أي أرض سنموت..و في أي ساعة يحين رحيلنا..ولا على أي وضع سنكون...كل ما نعرفه جيدا أننا سنموت مهما طالت سنوات أعمارنا...
أيمهلنا الموت وقتا كي نصلح أخطاءنا؟؟
كي نعيد الحقوق التي علينا؟؟
كي نطلب الغفران ممن أسأنا لهم؟؟
كي وكي وكي ...و ألف شيء نحتاج فعله ....
كلنا نعلم أن الإجابة ستكون لا ...حين يحين الموعد لا وقت لشيء آخر...
لكن بما أننا ما زلنا ننبض بالحياة...وبما أن ساعة الرحيل لم تعلن ...لما لا نبدأ منذ هذه اللحظة بالإستعداد؟...لما لا نصلح ما يمكن إصلاحه؟؟..
الأمر بغاية البساطة...عندما تقرر السفر ماذا تفعل؟؟؟...
تقوم بتجهيز حقيبتك...بتوديع أحبتك..ترتيب بيتك...سداد ما يمكن من ديونك؟؟؟  
والإستعداد للموت كذلك..هي رحلة سنستقلها لكن لا نعلم متى...
كل ما هو مطلوب منا شيء بسيط...أن نستعد لها ..
ألا تحجز في أرقى الفنادق عندما تقرر السفر؟؟إذا بادر للحجز في قبر واسع ...
أصلح أخطاءك..كفر عن ذنوبك..تصدق بما لا حاجة لك به...حينها تضمن قبرا مريحا جدا...منيرا بأعمالك...
ألا تخاف أن يرى الناس عيوبك؟؟..فكيف برب الناس؟..فكر بتلك الساعة التي تقف بها أمام من خلقك..عاريا من كل شيء إلا أعمالك ..غنيا عن كل شيء إلا رحمته...
عندما أجلس للحظات مع نفسي ..أراجع تاريخ حياتي ..أجدني مقصرة جدا..فقيرة جدا...عندما أفكر بضيق نفسي من المكان الذي أعيش فيه لأنه صغيرا جدا أسأل نفسي أهو أصغر من قبري؟؟أهو أضيق منه؟؟
عندما تنقطع الكهرباء فجأة ..وتملأ العتمة المكان حتى تزهق روحي من الظلمة تراودني ظلمة القبر فيقشعر بدني...
لحظة فقط هي ما نحتاجها...لحظة نفكر فيها بعمق..كيف أستعد لرحلة أبدية ...
لا تخسر كل شيء فقط لأنك لا تملك أن تقف مع نفسك لحظة...

              ((تخيل أنك راحلا بعد ساعة..ماذا ستفعل؟؟لا تبخل على نفسك بلحظة ))
             ناديا 7 فبراير 2010م
           الأحد 06:29 صباحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق