الأربعاء، أغسطس 20، 2025

نيار



كتبت عنك كثيرا

لكن هل سبق وكتبت لك؟

ربما أكون مررت بك قليلا

لكنني اليوم أريد الوقوف أمامك طويلا

لن تكون  هذه الصفحات كافية

لا أظن أن ثمة فضاء قادر على احتواء كلماتي اللا نهائية لك

لكنني سأحاول ترك ما يمكنني من كلمات لك هنا

ذات يوم ستكبر يا صغيري وتقرأ

ستتعرف علي من جديد من خلال كلمات لم تكن يوما ندا لجحيمي

١٤ يناير ٢٠١٦

أول يوم أعلنت فيه أنك هنا

يومها خانني صوتي فلم أقوى على الصراخ

وددت لو صرخت بكل قوة لأعلن للكون حضورك

ومضت الأيام والأشهر وأنا أنتظر اللحظة التي سألتقيك فيها

ذاك وقت لا أجد تفاصيل فيه تغريك بمعرفتها

١٧ أغسطس ٢٠١٦

يوم الأربعاء السادسة مساء في مستشفى الخنساء في عمان التقينا للمرة الأولى

حين رأيتك غبت عن الوعي لدقائق

وصحوت لأجدك بين يدي

لا حرف في أي لغة يملك تعريف مشاعري في تلك اللحظة

بكيت كثيرا وأنا أمسك بك

يداك الصغيرة

ملامحك الغير واضحة

بشرتك المجعدة

رائحتك النقية

كل ما فيك شهي حد الجنون

كنت لي

كنت مني

وستبقى

ومضت الايام بنا

كل يوم معك عمر كامل بكل تفاصيله

وتركتك حين أتممت من العمر شهرين

هنا بدأت بيننا معاهدة فراق كلانا يرفضها رغم سطوتها

بدأ غيابي عنك

غياب لم أرجوه يوما لكنها الاقدار يا صغيري

كان قلبي ينصهر كلما تركتك

كانت روحي تغادرني لحظة أقبل وجهك الصغير مودعة

ومع كل خطوة تحملني بعيدا عنك خسرت جزء مني

اليوم يا صغيري أمك بقايا مشوهة

كان فراقنا موجع لكنني كنت أجاهد في سبيلك ما لا طاقة لي به

أغلب أحداث حياتك لم أكن شاهدة عليها 

أول خطوة لك

أول كلمة لك

ما أبشع هذا الحرمان يا صغيري 

وذات غفلة عدنا سوية

جئت وأنت في الخامسة من عمرك لتعيش هنا معي في وطني الحبيب

أي فرحة هذه التي هزت كياني

سنتان من السعادة لن أنساها رغم أنها أصبحت شقائي حين اكتفت بأن تكون مجرد ذكرى

صرت شريكتك في كل نفس تتنفسه

عشت دوري كأم لك بكامل حقوق الأمومة وواجباتها

كنت أراك تأكل أمامي

تلعب

تبكي

تفرح

تغضب

و كل ليلة تغفو في احضاني 

اي فرح هذا الذي احياه

رأيت تفاصيل نموك العذبة

تضارب مشاعرك البريئة

كنت معك وبك

لا شيء يا صغيري يدوم في حياتي حين أتعلق به

وجددنا معاهدة الفراق

وأنت في السابعة

مثلما جئت غادرت

هذه المرة أنت تركتني

وتركت لي من الذكريات ما يغتال روحي بلا رحمة

حين ذهبت بقيت لأيام عاجزة عن استيعاب الحقيقة

لم أستطع تقبل الواقع

كنت أسمع صوتك في كل ركن

ألمح خطواتك في كل غرفة

حتى مدرستي تركت لي فيها منك ما لا يمكنني احتماله

هنا كنت تركض

هنا لعبت مع زملائك

هنا تناولت افطارك

هنا كان صفك

هنا معلماتك

هنا أنت للأبد

أهرب من مدرستي لبيتي لأجدك تنتظرني بوجع أقسى

هنا غرفتك

سريرك

مكتبك

هنا ألعابك

ملابسك

أحذيتك

أتعلم أني لا أقوى على دخول غرفتك في غيابك؟

لكنني أفعل مرغمة 

أدخلها لساعة فقط لأنظفها 

لأحميها من بصمات الغياب القذرة

ما أكثر ما أفعله يا صغيري رغما عني

ما أكثر الأشياء التي أحاول حمايتها منذ غيابك

أتدري أنني أكثر ما أحاول حمايته؟

أحاول أن أحميني لأجلك 

لولا خوفي من أذيتك لما أكملت الطريق

يرعبني أن أسبب لك أي ألم حتى لو لم يكن مقصودا 

لذا أحميني ﻷكون قربك لحظة تحتاجني

لكنني أنا من أحتاجك

هذه حقيقة لا بد أن تعرفها جيدا

أنت قوتي و يقيني و غايتي

لكنني متعبة جدا 

أشتاق لك كثيرا

أفتقدك كثيرا

كل ليلة أبكي حتى أنام 

أفكر بك كثيرا

هل نام؟

هل استيقظ مفزوعا من حلم سيء؟

هل يحلم بي؟

وكل صباح أفتح عيناي على يوم لا يحتويك

و أبكي من جديد

وأتساءل يا صغيري

هل استيقظ صغيري؟

أكان صباحه جميل كوجهه الجميل؟

أتراه يبكي مثلي؟

يرعبني يا صغيري مجرد التفكير أنك تشعر نحوي شعوري نحوك

لا أريد أن تفقدني أو تشتاق لي

لا أريد لقلبك الطاهر أن يتألم 

أريدك دوما سعيدا 

لذا كلما تواصلنا تراني مبتسمة ملأ روحي

أريدك أن تصدق قوتي الوهمية وجبروتي في غيابك

هل أخبرتك أن التواصل معك رغم أنه يشفي روحي إلا أنه يمزقني؟

فلتعلم إذا أنني أحترق 

حين أراك أمامي من خلال شاشة ميتة وأعجز عن لمسك أو تقبيل ملامحك الحبيبة 

إذا علمت ذلك ستتفهم لما دوما أختصر اللقاء  بيننا و أنهيه سريعا

موجع هذا اللقاء الافتراضي 

ماذا أخبرك بعد؟

كثيرة هي التفاصيل التي أود مشاركتك إياها

لكنها تاهت مني اﻵن

لا بأس سأخبرك بها لاحقا

اليوم هو المهم

اليوم ١٧ أغسطس ٢٠٢٥

اليوم أتممت التاسعة

كل عام

كل يوم

كل لحظة وأنت بخير 

رغم المسافة بيننا لكنني حضرت لحظة اطفأت الشمعة التاسعة

حضور افتراضي 

لا بأس 

المهم كنت معك

سعيدة لسعادتك

لتكن دوما سعيدا يا صغيري حتى لا تضيع تضحياتي 

كن سعيدا بقدر الوجع الذي دفعته أمك ثمنا لهذه السعادة

غدا يا صغيري سأعود لعملي 

سأكون معلمة لأطفال غيرك

أتذكر أني كنت معلمتك يوما؟

في تاريخي الوظيفي بأكمله وحتى نهايته لن أنسى أني كنت معلمة لك ذات سنة

نسيت أن أخبرك أن أصدقائك غادروا مدرستنا لمدرسة جديدة

هذه السنة سيخف الوجع قليلا لأن رؤيتهم بعد رحيلك كانت عذاب قاتل

لم أكمل كمعلمة لهم لأن ذلك حقا فوق قدرتي على التحمل 

لم يكن ممكنا بالنسبة لي أن أشرح لهم درسا وأنا أبحث عن وجهك بينهم 

تبا لكل التفاصيل التي تركتها بعدك لتشقيني

لا يهم 

المهم أنت بخير 

بعد أيام قليلة ستعود أنت أيضا لمدرستك

ستبدأ عام جديد

أنت اليوم طالب في الصف الرابع

متى كبرت يا صغيري؟

نيار 

أمك متيمة بك 

شكرا لأنك أكملتني بك

شكرا ﻷنك منحتني كل هذه القوة 

كل هذا الجمال 

شكرا لأنك جعلت لحياتي معنى وقيمة

يا نبض الروح أنت

سأتوقف عن الثرثرة هنا 

بدأت الكتابة لك يوم عيد ميلادك واستغرقني الأمر يومان لأصمت 

عذرا يا صغيري لكن الوجع جعلني أتوقف كثيرا 

نيار كن دوما بخير ﻷكمل واجبي نحوك كما يليق بتضحيتي لأجلك

ناديا الشراري

١٩ أغسطس ٢٠٢٥




 

الأربعاء، يوليو 23، 2025

خاتمة

 

صباح الخير يا راهب الصمت

هو صباح خير لأنك بدايته

بك أبدأ يومي وبك أنهيه

وبين البداية والنهاية لا شيء إلا أنت

كيف أنت؟

سؤال يشغلني منذ غيابك

تخيل أن تقضي أكثر من أربعة عشر عاما وأنت عالق في سؤال ؟!

هل قلت سؤال؟

عذرا يا راهب الصمت فهو ليس سؤال واحد

بل هي شبكة من علامات الاستفهام علقت بها منذ تلك الليلة

الليلة التي عدت بعدها من الموت لأفقدك

أي حياة عدت لها وأنت لست فيها؟

فتحت عيني على عالم لا يحتويك

ما قيمة عيناي إن لم تكن أنت نورها؟

سمعت بأذني عبارات التهنئة بالسلامة

لكنني لا أسمع صوتك!!

ما حاجتي بسمع لا يلتقط أنفاسك؟

حين غادرت المستشفى وقتها لا أعلم أي حال كنت به

لم يكن يعنيني وضعي الجسدي أو النفسي حينها

كل ما كان يشغلني أن أصل إليك سريعا لأطلب غفرانك

أقسمت أن أقضي ما بقي من عمري في بذل كل ما يمكن لأنسيك خذلاني لك ليلتها

لكنني لم أجدك!

حاولت أن ألملم شتاتي وأستجمع ما تبقى لدي من قوة لأصمد حتى تعود

ظننت غيابك عابر

مؤقت

قلت لنفسي تحملي قليلا حتى يعود

وقتها انهاري بين يديه

تساقطي مطمئنة أنه سيلتقط كل قطعة منكِ

قلت لنفسي تحملي قليلا حتى يعود

وفي حضوره ابكي

اصرخي بحجم الرعب الذي عشتيه

 بحجم الهزيمة التي اغتالت كبريائك

ولا تخافي لأن أحضانه ستنصركِ

وترمم شرخ كبريائكِ وسيعود الأمان لروحكِ

لكنك لم تعد؟؟!!

ومن حينها وسؤال يقذفني لآخر

أين هو؟

ماذا حصل؟

هل تخلى عني؟

هل مات؟؟

وألف علامة استفهام تنهشني

أرأيت كم من الأسئلة يقيدني؟

لكنني اليوم جئتك عارية من كل الأسئلة

ليس لأني نجوت من لعنتها

لكن لأني توصلت لقناعة ارتاح لها قلبي

واقتنع بها عقلي

إليك ما توصلت إليه يا راهب الصمت

أحتاج لخاتمة منك

نعم خاتمة

لسنوات طويلة وأنا أسيرة انتظارك

اليوم أحتاج أن تحررني من هذا الأسر

ولن يكون لي حرية إلا بخاتمة منك

خاتمة لا تتجاوز ثلاث كلمات

(ناديا أنا آسف)

تخيل ثلاث كلمات فقط كفيلة بأن تعيدني إلى الحياة التي أعيشها على الهامش؟

لن تنتزع هذه الكلمات راهب الصمت من روحي

لكنها ستجعلني قادرة على المضي قدما بسلام

هذه الخاتمة ستكون تصريح رسمي لي لأكون زوجة وأما وإنسانة

يا راهب الصمت دون هذه الخاتمة سأضل ملكك وأنت ملك الغياب

كلانا مملوكا لقوة لا مرئية لكنها قاسية جدا

يا رجلا عشقته بكل نبضة من نبضاتي

بكل نفس من أنفاسي

امنحني تلك الخاتمة

ولن أطلب منك تبرير لما كان

لن أحاسبك أو أعاتبك

لن يصلك مني شيء

فقط دعني أودعك وداعا يليق بعشقي لك

وداعا لن تكون حاضرا فيه

وحدي سأخوض جحيم وداعك

يا راهب الصمت يكفيني كل ما مررت به منذ تلك الليلة

يكفيني ما قاسيته طيلة هذه السنوات

امنحني تلك الخاتمة لأغلق الباب بيني وبينك

لأغادر محطات الانتظار

لأعود لي بما بقي بعدك

أبلغني بها

هنا

هناك

في أي مكان وبأي طريقة تختارها

فقط أبعث بتلك الخاتمة لي

لا تخف

لن يهزمني شوقي إليك

لن يضعفني حبي لك

أعدك بحق من جعلك للروح روح

أن لا أمس عالمك أبدا

فقط امنحني تلك الخاتمة

فكل شيء في الوجود يحتاج خاتمة لينتهي

يكفيني يا نبضي ما مضى

اترك الباقي لي أرجوك

ناديا الشراري

23/7/2025م

 

 

الثلاثاء، مايو 13، 2025

الحديث عنك طوق نجاة أتشبث به لأنجو

لا متعة تفوق متعة التحدث عنك

كنت حديثي منذ قليل مع أحدهم

كلما ذكرت شيئا يتعلق بك ترقص ملامحي فرحا

تشرق عيناي ولا تتوقف شفتاي عن الابتسام

لكن تلك المتعة لعنة

ما أن انتهى الحديث عنك حتى حلت الكارثة

جمدت الملامح

انطفأت عيناي

واختفت الابتسامة

مخالب الوجع بدأت تمزقني

ألم مرعب يعتصر روحي

لا صراخ

لا بكاء

لا شيء يخفف العذاب

أسرعت لأحرفك

تميمتي

احتضنتها

قبلتها

تنفستها

استغيث بها

أنقذيني

أوقفي هذا الجحيم

لا شيء يملك القدرة على انقاذي

تناولت هاتفي

طالعت اسمك

رقمك

لا يمكنني المغامرة

كل ذرة مني تستنجد قرار جريء

لا أملك الجرأة

لا أستطيع

دمي يحتاجك

لكنني لا أستطيع

ماذا أفعل؟؟

اربع عشر عاما مضت وأنا أنتظر

رحلت وتركتني رهن انتظار قذر مهين

قلت لي آخر مرة تحدثنا (أنا أعرف الناس بك)

إن كنت كذلك كيف تخليت عني بهذه السهولة؟

أخبرتك في تلك الليلة المشؤومة أني مرعوبة

وطلبت مني أن  لا أرتعب

أكنت تعلم لحظتها أنك ستكون رعبي؟

ليت تلك الليلة انتهت بلا شروق

ليتها كانت الخاتمة

للأسف كانت بداية هذا الجحيم الممتد إلى نهاية لا أدرك معالمها

أتعرف كم مرة قدت سيارتي في طريق يؤدي إليك؟

أتعرف كم مرة وصلت مدينتك؟

مئات الكيلومترات قطعتها لأقف أمامك

وكل مرة أعود أجر أذيال الخذلان

خذلاني لذاتي

أنا أستحق مواجهتك

الصراخ بك

صفعك على وجهك

لكنني دوما أخذلني

ليس ضعفا لكن ليبقى للأمل مكان

برغم يقيني أنك غدرت بي ما زلت آمل أن تعود

تخليك عني غدر

هروبك غدر

صمتك غدر

أي رجل أنت؟

هذه الليلة متعبة جدا أنا

لأول مرة منذ عرفتك أجدني أدعو عليك

سامحني لكنني موجوعة منك جدا

منك لله

أسأل الله أن يذيقك ذرة من ألمي

منك لله لكل هذا الضياع الذي أنا فيه

منك لله لكل هذه الوحدة التي أعانيها

منك لله يا أغلى مني

ناديا

13 مايو 2025

11 مساء