الاثنين، ديسمبر 24، 2012

سامحك الله


لم تكن أحلامي  مستحيلة
ولا كانت حتى كبيرة
لم أحلم بما لا يحق لي
فقط كنت أحلم بأن أحصد ما زرعت و أزرع...
فهل تراني كنت أزرع في مواسم لا تصلح للزراعة؟؟
أم أني كنت أزرع في أرض بور لا تطرح شيئا مهما بذلت  لها من العطاء؟؟
لم تكن متطلباتي من هذه الحياة ممنوعة
ولا كانت يوما مبالغ فيها
فقط كنت أطلب وطن أنتمي إليه
وطن أنال فيه شرعية الحياة
فهل كنت أطلب ما لا وجود له؟؟
هل كنت أبحث عن وهم حقا ؟؟
وهم أبقاني قيد النفي حتى ما عدت أجدني ؟؟؟
لم أنتظر ممن حولي  الشكر والعرفان والامتنان لشيء فعلته لهم
لم أطلب منهم  رد لمعروف ولا ثناء على ما قدمته لهم عن طيب خاطر...
فقط كنت أنتظر منهم قليلا من المحبة والاحترام ..
قليلا من القليل من الانسانية..
فهل كنت أطلب بذلك معجزة؟؟؟
ربما أنا المخطئة في كل ما كان وما يكون وما سيكون أيضا...
أقول ربما على أمل أن يجيء بعدي يوما من يلتمس لي الغفران لا العذر في ما سيكون مني ...
حتى هذا الأمل مشكوك فيه بالنسبة لي...
على كل حال لم يعد يعنيني أن يغفر لي أحد
أو أن يلتمس لي بشر العذر في ما سأفعل...
اثنان وثلاثون عاما وأنا أعذرهم
وأبرر لهم..
اثنان وثلاثون عاما وأنا أعطي و أهب مني للجميع ما فاق قدرتي على العطاء ..
و اثنان وثلاثون عاما وهم ينهبون مني  كلي ..
اثنان وثلاثون عاما لم أجد منهم ما يستحق.. فلما أكترث بعذر منهم لي لن أناله؟؟!!
لا أكتب هنا   ليقرئوا بعدي..
بل أكتب هنا فقط لتقرأ أنت..
أنت الذي ظننت يوم  وجدتك أنك عوض القدر لي عن كل ما فات من وجع وحزن وفقد و ظلم وقهر ...
أنت الذي يوم فقدتك فقدت رغبة الحياة ..
بل فقدت الحياة بمعناها الفعلي...
أكتب هنا لتغفر أنت ..
لترحم أنت..
فأنت برغم  كل قسوتك تبقى الأحن والأكثر بشرية فيمن عرفت ...
أكتب هنا لأخبرك أني تعبت ..
تعبت من انتظارك ..
تعبت من هاتف لا يحمل صوتك..
من أبواب لا تنفتح عليك..
من رسائل لا تصلك..
من طرقات لا تشي بك..
من ليال لا يهتك عتمتها نورك..
من صباحات لا تبشر بك..
تعبت من  أفكار لا يفض اشتباكاتها حضورك..
من شكوك لا يقطعها يقينك...
تعبت من آمال زائفة برجوعك...
من أكاذيب اخترعتها لغيابك..
تعبت من قلب لا ينبض إلا بك..
من روح لا تنتمي إلا إليك..
من عقل لا يؤمن إلا بك..
تعبت من الاحتضار قهرا عليك ومنك...
و رب السماء تعبت...
تلك هي  جملة متاعبي سيدي...
فهل ظننتني أنثى خارقة لأحتمل كل تلك المتاعب ؟؟؟
لا سيدي
لست سوى دم وأحاسيس وأعصاب ...
لست إلا بشر محدود القدرة والطاقة والصبر...
وقد نفذ كل ما لدي منها...
سيدي
لو جربت يوما الحياة بلا هدف لعرفت أني لم أخبرك بعد بشيء من معاناتي...
لو ذقت مرارة الوحدة.. لو  عشت صقيعها..
لو عانيت  الصمت..  ومارسته مرغما ..
لفهمت أني  لم أصف لك جزء من عذاباتي..
سيدي
مهينة هي الحياة بلا حياة...
وأنا مللت تلقي الاهانة تلو الاهانة...
فلا تلم رغبتي بنيل بعض الكرامة...
صدقني لست جبانة لأتخذ الهروب طوق نجاة...
لكن  الهروب في زمن الحرمان شجاعة...
سيدي
وأنا أكتب إليك  الآن تمر في خيالي صور كثيرة لأحداث عشتها بكل ما فيها من مشاعر ..
مشاعر لا كلمات تكتبها..
تمر بي صورة لذاك اليوم الذي خرجنا فيه إلى العمل..
كانت الساعة  قد تخطت الثامنة صباحا..
خرجنا متأخرين لأن الضباب كان يغلف الوجود ...
تأخرنا على أمل أن ينقشع الضباب.. لكنه لم يفعل..
حين صعدت إلى السيارة.. رأيت في أعين رفيقاتي المعلمات نظرات القلق..
و أخذن يخبرنني عن اعتراض أزواجهن على خروجهن في مثل هذه الأحوال الجوية...
وأنا أخذت أهدأ من روعهن كوني المديرة والمسؤولة عنهن ..
وطيلة العشرين دقيقة  التي قضيناها في السيارة قبل العودة أدراجنا لم تتوقف هواتفهن عن الصراخ ..
كان زوج كل واحدة منهن يتصل كل لحظة ليطمئن...
كانت هواتفهن تصرخ بي
(( وحيدة أنتِ))!!
أشفقت عليهن وطلبت من السائق أن يعيدنا إلى منازلنا...
فرحن كثيرا وأخذت كل واحدة منهن تبشر زوجها بعودتها...
وعدت أنا..
عدت لــ أنا..!!
طيلة طريق العودة وأنا أطالع هاتفي الصامت أبدا...
عدت أحملني لبيت لا أحد فيه ينتظرني..
أعددت فنجان قهوة وجلست أتأمل المكان حولي..
وداخلي فراغ بارد مقيت..
فراغ لن تملأه فناجين القهوة دفء..
فراغ علمت من حين فقدتك أنه سيظل يتمدد حتى يقضي علي...
لم يفقدني يوما أحد..
ولن يفقدني أبدا أحد...
وصورة أخرى تعصف بي ..
فتطالعني نفسي البائسة حين كنت أعود كل يوم من عملي ..
أعود مليئة بــ حكايا و أحداث تتعفن داخلي لأني لا أجد من  ألقي بها إليه...
وصورة  لساعات طويلة قضيتها أتألم من صداع بات يلازمني منذ سنة ..
صداع يجعلني في أوقات كثيرة عاجزة حتى عن بلوغ دوائي..
صداع حين يحضر أدرك معنى وحدتي وحاجتي لمن يناولني كوب ماء و قرص دواء...
وصورة أكثر بشاعة لــ ليال باردة قضيتها فريسة الأرق ولا أجد حولي من يبعثر أرقي ويقضي عليه...
ليال  لا تعد أنهض فيها مفزوعة من كابوس راودني ولا أجد حولي من يمسح على رأسي  ويرقيني هامسا ((باسم الله))
وصورة  لوجبات طعام لا شريك لي فيها إلا مقاعد فارغة حتى ما عدت أشتهيها..
وصورة .. وصورة..
وكل صورة وجع..
وكل وجع حكاية لا تُروى ...
سيدي
لن يفتقدني إلا الحزن الذي استوطنني ..
وحتى هو لن يكترث طويلا لغيابي ..
لأنه حتما سيجد وطنا غيري له...
سيدي
قلت لك أني يوم وجدتك ظننتك عوضي من القدر...
صدقني لو كنت فقط بقيت معي لما كان للحزن حكم علي..
ولا كانت تلك الصور التي تمضغ روحي شيئا يذكر في حياتي...
لكنك رحلت مني وعني..
لتتركني فارغة من الداخل كما من الخارج...
نعم سيدي
رحلت مني..
لم أقلها عبثا ولا هي كلمة سقطت مني سهوا...
بل هي الحقيقة التي أعرفها اليوم...
الحقيقة التي وضعت خاتمة حكايتي ...
حين رحلت عني بقيت بي...
بك كنت قوية..
كنت أستعيذ بك من ضعفي ويأسي...
لكنك ما عدت بي ...
فبأي شيء بعدك أكون قوية؟؟؟
سيدي
أتعلم متى رحلت مني؟؟؟
حين  اعترفت لنفسي أخيرا بــ  أن رحيلك عني كان بقرارك وخيارك...
أنا ما كنت يوما ذات قيمة  تذكر لديك ...
لذا رحلت عني ..
ولذا رحلت مني...
بك تحملت كل ما أثقل عاتقي من الهموم...
وحين غدوت مفرغة منك كسرت حمولتي ظهري..
فلا تظن سقوطي هزيمة...
كل ما في الأمر أن حملي أثقل من أن أكمل به مسيرتي...
سيدي
كنت لي الأب والأخ والحبيب والصديق والزوج والابن..
كنت لي وطن وحياة..
كنت لي أنا ..
فلا تنتقد  انكساري بعدما فقدت كل ما لدي...
سيدي
ورب العرش العظيم أني قاومت حتى الرمق الأخير ...
ورب العرش العظيم أني قاتلت حتى آخر لحظة...
ورب العرش العظيم أني ما خذلتك ..
لكن الصبر خذلني كما خذلتني أنت وأنا منك وبك...
سيدي
لن يعنيهم غيابي ..
كما لن يعنيك أنت...
وكما قلت لك أبدا لن يفتقدني أحد...
سيدي
إن شعرت يوما بغيابي..
إن أدركته ذات لحظة...
ووجدت نفسك حينها 
تردد بينك وبين نفسك ما رددته  على مسامعي يوم غبت عنك مسبقا 
// طال الغياب.. وتوقفت الأنامل .. وذهبت المتعة//
حينها لا تسأل ما سألتني إياه وقتها 
// هل أنتِ على قيد الحياة؟؟//..
سيدي
لم يتبقى لدي ما أقوله لك سوى كلمة واحدة ...
كلمة قد لا تعنيك..
كلمة هي آخر دعائي لك...
((سامحك الله))...

ناديا
24 ديسمبر 2012م







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق