الأربعاء، ديسمبر 07، 2011

طفلةٌ ... أعادتني إلى الحياة؟!!!





يا أنت
كنت غارقة في أحزاني التي لم تنتهي من حين رحيلك...
أعاني غيابك حتى بت مريضة به ....
أغلقت كل أبوابي ونوافذي  خشية أن يبدد نور الحياة ذكراك...
لزمت سريري لأيام طويلة أبكيك وأبكيك...
وكلما حاولت النهوض من ضعفي أسقطتني أوجاعي من جديد...
يا إلهي كم تثقل كاهلي بك يا أنت؟!!...
ومضت أيام خلتها لن تمضي...
وجاء صباح يوم جديد
يوم كان يخبئ لي سعادة من نوع جديد...
أشعر بأن القدر يعدني بشيء؟!!..
غادرت منزلي كالعادة في تمام الخامسة صباحا...
يستغرق طريقي إلى عملي حوالي الساعتين...
أقضيها عادة  في أحاديث متنوعة مع أخي العزيز...
أحاديث أغلبها لا تهدف لشيء إلا أنها  وسيلتي الوحيدة لمنع أفكاري من العبث بمخزون ذاكرتي الملغومة بك...
لكنني في ذاك الصباح وجدتني عاجزة عن الحديث...
وأكثر عجزا عن استحضارك من ذاكرة تختزنك....
بقيت أسيرة صمت أجهله وبقيت عيناي عالقة في السماء ...
مع أنني  مخلوق ليلي لا يطيق النهار إلا أن عيناي لم تشهد  للنهار جمال يفوق الجمال الذي رأيته يومها
في لحظات بدأت السماء تخلع ثوبها الأسود بتكاسل ممتع
وبتكاسل أكثر  متعة بدأت ترتدي النور ..
بدت لي كحسناء تستيقظ بعد ليلة حافلة بالمسرات...
وجهها يسطع بالبهجة
عينيها وشفتيها وكل قطعة منها تغني وترقص منتشية بالسعادة...
وبغنج تبعد بيديها خصلات شعرها الغجري  المتمرد عن وجهها الباسم
وتنهض بدلال وبذات الغنج تتمايل خطواتها
مع كل خطوة تخطوها تسبح الأشياء حولها لعظمة الخالق الذي أبدع في تكوينها...
وجاء صوت أخي ليوقظني من خيالاتي ...
ها قد وصلت أخيرا...
صعدت إلى الطابق الثالث حيث مختبري العزيز..وضعت حقيبتي وأشيائي وذهبت لأعد القهوة..
كان المبنى خاليا ككل يوم فأنا أصل قبل وقت الدوام الرسمي بساعة...
ساعة هي أمتع أوقاتي ...
جلست أتناول قهوتي في حديقة المدرسة ... على ذات المقعد الذي بات صديقي  من حين وصولي إلى هنا منذ حوالي الشهر وربما أكثر بقليل ...
ورغم برودة الجو القارصة إلا أني كنت أشعر بدفء غريب؟!!!
ومن حيث لا أعلم باغتتني صورتك الحبيبة...
لتستثير أدمعي التي لم تتقن الصمت لحظة من حين فراقك..
اختلطت القهوة بــ  أدمعي ..
كما اختلط عشقك بدمي ..
يا الهي ها أنا من جديد أفتح أبواب ذاكرتي المعتقة بك
لتلفحني رياح الحنين إليك...
هل سأقضي ما بقي لي من عمر وأنا أخشى ذاكرتي؟؟؟
ورحمني الله منك  بقدومهم
وبدأ اليوم الدراسي
وعدت أنت خلف أبواب ذاكرتي التي أحكمت إغلاقها عليك حتى لا تباغتني ذات غفلة مني..
قلت لك اليوم أنا على موعد مع سعادة من نوع جديد
وصدق القدر وعده
وجاء تجمع طالباتي الصغيرات حولي  يغمرني بالدفء
وراحت تساؤلاتهن تستنهض فرحي
(الحمدلله ع السلامه معلمتي..
ليش غايبة؟؟
بكره تيجي؟؟)
 لم أعطهن درس جديد بل أخذت أتحدث إليهن عن مواضيع شتى
كيف لم أنتبه من قبل لكل هذه القلوب الصغيرة الطاهرة؟؟
كيف لم أنتبه لبريق المحبة المشع من أعينهن الجميلة؟؟
شعرت برغبة في البكاء من فرط فرحي بما أسمعه منهن
(معلمتي والله انا حبيت العلوم عشانك
والله يا معلمتي خليتيني احب المدرسة)
انتهت الحصة ولكن طالباتي رافقنني حتى غبت في غرفة المعلمات
وجاء كلام مديرتي الطيبة ليزيد فرحي
(ناديا البنات يسألن عنك كل يوم وكل شوي يسألن بكره تيجي؟؟)
وإحدى الإداريات والتي هي أم لطالبة عندي قالت
(على فكرة يا ناديا انا خلاص مشيت مدرسة العلوم اللي تدرس بنتي خصوصي ..معاكي ما اظن نحتاجها بعد كذا)
لم يعد قلبي يتسع لكل هذا الكم من السعادة
أسرعت إلى المختبر وأغلقت الباب خلفي
وجلست أبكي
ألهذا الحد كنت عمياء؟؟؟
كيف لم تلتقط حواسي كل هذه الترددات من الامتنان والتقدير ؟؟؟
كيف لم أدرك محبة تلك القلوب الطاهرة الملائكية لي؟؟؟
وانتهى اليوم الدراسي وعدت إلى منزلي
جلست لساعات أستعيد ما سمعته من عبارات ودودة من مديرتي وطالباتي الصغيرات
وأبتسم حين تمر أمام عيناي صورهن الجميلة
ملائكتي الصغيرة وهن يحتضن كتب العلوم ومحفظة الأقلام
ويقفن مترقبات  لصوت الجرس المعلن عن بدء حصة العلوم ليتسابقن في الصعود إلى المختبر
وحين لا يجدنني هناك يسرعن إلي
(معلمتي حنا طلعنا فوق)
و لا يتحركن إلا وأنا معهن...
وإن قدر الله غياب إحدى المعلمات أجدهن فوق رأسي
(معلمتي عندنا حصة فراغ ناخذ علوم؟؟)
  وإحدى صغيراتي تبعث لي بدعوة صداقة على الفيس بوك
لأجدها تعبر عن حبها لي على صفحتها وكيف أني جعلتها تعشق مادة العلوم...
في هذه اللحظات أتذكر قصة قرأتها قديما ولكنني لم أكن أفهم مغزاها حينها بذات الفهم الذي  أهدتني إياه تلك القلوب الصغيرة
قصة فلاح كان ساخط على حياته ووضعه وكان يمتلك قطعة أرض لم تكن تغريه بالاحتفاظ بها  فباعها وسافر إلى المدينة ينشد سعادة وهمية ومضت به السنوات يتخبط بين جدران الفشل
يعميه زيف أفكاره عن إدراك الحقيقة وبلوغ النجاح
ليعود بعدما أثقلته الإخفاقات وأنهكه التخبط العشوائي  إلى قريته  ويجد أن الرجل الذي اشترى منه قطعة الأرض قد أصبح من أغنى أغنياء القرية فقط لأنه عرف  أين يستثمر نقوده...
تماما أنا مثل ذاك الفلاح لم أكن أنتبه أنني أقف على أرض السعادة ..
أعمتني أحزاني وظللني فقدي لمن أحببت عن رؤية الحقيقة الساطعة...
لكن الله رحمني وجعلني أخيرا أدرك أن سعادتي بين يدي ويجب أن لا أخسرها مهما حصل...
يضحكني كثيرا أنني دوما من أشد المؤمنين بعبارة تقول (حيث لا نبحث نجد ما نريد)..
فكيف كنت أؤمن بها ولا أعمل بها؟؟!!!
عشت سنوات طويلة وأنا أتساءل بيأس عن سر وجودي؟؟
وما الغاية من حياتي وأي قيمة لها؟؟؟
وكثيرا ما أنهكني حزني لكوني حرمت من أن أكون أم لطفل أحترق شوقا إليه ...
يا إلهي كم أنت عادل
وكم أنت عظيم لأنك لم تخلقنا عبثا ولم تجعلنا في الحياة مجرد  زيادة عدد
لكننا نحن من نغفل عن سر وجودنا وقيمة حياتنا...
الآن أنا هنا في بيتي وعلى سريري
يقيدني المرض لكنه هذه المرة مرض جسدي
نعم هذه المرة جسدي مريض جدا لكن روحي أصبحت معافاة بفضل الله ومن ثم فضل طفلة صغيرة شاء القدر أن تكون تلميذة لمعلمة هي أنا...أكاد أجزم أنها هي المعلمة لا أنا...
مع أني بالكاد أكمل ما أكتبه  من فرط ضعف جسدي إلا أني أشعر برغبة في التحليق إلى مدرستي في هذه اللحظة...
أسأل الله أن ينعم علي بالشفاء العاجل حتى أحاول تعويض ما فاتني من سعادة لم أنتبه لوجودها من قبل..
يا رب شكرا لكل عطاء أكرمتني به...
وغفرانك أرجو يا إلهي  فقد قصرت كثيرا في حقك
ولم أشكرك كما يليق بعظيم عطاءك وكرمك ...
سامحني يا أرحم الراحمين ...
كنت أحلم أن أكون أما لطفل  واحد وها انا اليوم أما لأكثر من خمسون طفلة ولله الحمد والمنة...
فشكرا يا صغيراتي الحبيبات ...
ناديا
الأربعاء 7 ديسمبر 2011م
03:43 صباحا

هناك تعليقان (2):

  1. شكرا على السماح لى بقرأة ما تكتبين

    ردحذف
  2. تفاصيل متناثرة8 ديسمبر 2011 في 6:17 م

    عجباً @!!!!!
    تشكين بكونك متميزة ؟؟؟
    صدقا ً!!!؟؟؟
    ان لم تكن كيمياء امرأة متميزة !! فمن تعتقدين بأنة يحمل اي تميز ؟؟؟؟
    يا ليتني كنت طالبة عندك .... لعشقت مدرستي اكثر واكثر...
    فهناك يجتمع احبائي.....

    ردحذف