حِرْزُ جدتـــي

لا تزال جدتي تحتفظ بتلك الـــ فنيلة   البيضاء التي كان يرتديها خالي يوم فارق الحياة,,,

تحتفظ بها كما تركها بيضاء ممزقة ،، مثله حين كان ينبض بالحياة...

كان أبيضا ممزقا,,,,

مزقها الأطباء في محاولاتهم الفاشلة لإنقاذه

كانوا يريدون اختصار الوقت ولا يعلمون أن الموت سبقهم واختصر كل شيء

يريدون وقت ولا يعلمون أن لا وقت لمن انتهى وقته ...

حاولوا أن يسعفوه فلم يستطيعوا ...

مات كما عاش ،،،  بهدوء تام

حتى رحيله كان جميلا مثله....

رحل وترك خلفه فنيلةٍ ممزقةٌ وقميصاً بلون ُالسماء ...

أهي صدفة أم ترتيبُ قدر أن يرتدي يوم رحيله  ((نفسه والسماء))؟؟!!!

مات ،، وبقيت جدتي تحتفظ بما ترك كــ ((حِرْز مبارك)) كما تقول

حين يعاتبوها لاحتفاظها بأشياء ميتٍ تقول لهم (هي حرز )

جدتي تعلم بطلان ما تقول لكنها لا تقوى هجر ما بقي من فقيدها....

كلما أخرجت  حرزها المبارك من مخبأه لتريه لنا تظل تقلبه بين يديها وتردد بحسرة ممزوجة بالسخرية

 ((كل شي احسن من بني ادم))

تقولها وعيناها عالقتان بأقمشة تحتفظ برائحة غاليها..

كم أنتِ محقة يا جدتي

كل شيء أحسن من البني آدم...

يرحل تاركا لنا حضوره 
ملامحه
صوته
رائحته و أنفاسه..
صوره وملابسه وكثير من كل شيء إلا هو...
يتركنا خلفه نحتفظ به في أشياء .!!

كم أكره رحيلهم

كم أكره أشياءهم

كم أكره  ذاكرتي التي لا تشيخ ولا تمرض

كم أكره الأحراز المباركة لدي

كم أكره أني سأكون يوما مثلكِ أقلب بقاياهم بين يدي

وأضحك مني ومنهم

وأردد مثلكِ

((كل شي أحسن من بني ادم

كل شي أحسن من بني ادم ))

ناديا الشراري

الجمعة 24 فبراير 2012م

02:42 م

((....إلى روح خالي الطاهرة ))...