الأربعاء، ديسمبر 01، 2010

لأنك أغلى مني

لأنك أغلــــــــــــــى مني!!!



بخطوات مهزوزة...و أنفاس متقطعة...كانت تصعد إلى منزلها...يسكن الحزن مسام جسدها الغض...يملأ الإنكسار عينيها الجميلتين...وفي يديها تحمل ورقة...
دخلت إلى المنزل و أسندت ظهرها إلى الباب ..وقفت تحاول أن تستجمع ما بقي لها منها...ويدها ما زالت مطبقة على تلك الورقة ...
أغمضت عينيها ...فعادت لها تلك اللحظات التي جمعتها به في يوما ليته ما كان أبدا....هو رجل حياتها..حبها الذي ملك روحها...
كان صوته صارخا في زوايا ذاكرتها الجوفاء من كل شيء سواه...نبرة صوته وهو يعاتبها تكاد تخنقها...
في الأمس صاح بها لما تتركه..لما تتخلى عن عهدا جمعهما بأن يبقيا سويا لآخر العمر...
لم تكن لحظتها قادرة على فعل شيء كي يهدئ..تمنت لو أنها تأخذه في أحضانها كي يطمئن قلبه الرقيق..لكنها وقفت أمامه شامخة برغم توسلاته..برغم أدمعه..كان البرود يغلف كلماتها له..قالت له أعتذر ولكنك لا تناسبني..مستقبلي معك لا ملامح له..ولكن زواجي من دكتور  أحمد سيضمن لي مستقبلا باهر لن تكون قادرا على منحي إياه...وغادرته بأقسى مما كانت معه...
خرجت بخطى واثقة ..بينما كل ذرة من كيانها تنهار ..وبقي هو في ذهول الأموات وشحوبهم...
كانت كل خطوة تبعدها عنه خنجرا مسموما يُغرس بين أضلعها...جرت مسرعة كي لا تخونها عواطفها نحوه...كي لا تهدم ما حرصت عليه من تجاهل أمامه...

إنخرطت في ضوضاء العمل كي لا تسمع توسلات قلبها المتلهف عليه...
ومضى اليوم حينها دون أن تعرف للوقت حساب..
جاء صوت الأذان يسترجعها من ذكرى تقتلها...يغسل فؤادها من عبء لا تطيق حمله...تداعى جسدها الذي بالكاد يسنده الباب لتسقط منهارة ...بكت بكل ما للبكاء من لغة...بكت حتى لم يبقى في عينيها للدموع منبع...حتى تلاشى من صدرها ما بقي من أنفاس تسعفها ...
ومضت من عمر الزمان ساعة كانت لها دهرا من شقاء...نهضت متوجهة إلى غرفة نومها ...في صدرها لوعة لا ترحم...وبين يديها ورقة للموت تهديها...
أطلقت سراح تلك الورقة لتفر من أسر أناملها وتغفو على أريكة في حجرتها...
إستسلمت لنوم أعمق من ألمها...


وعادت الشمس تشرق من جديد...وعادت هي لتكمل عهدا مع الأحزان قطعته على نفسها...
أصبحت حياتها أسطوانة مشروخة تعيد نفسها بكل سذاجة ...كانت تتحرك و كأنها آلة ...بمعزل عن كل شيء حولها...فقدت القدرة على التواصل مع عالما يحيط بها...تنظر لكل شيء بعينين باردتين...
وكان هو بحال لا يقل عن حالها...يلتقيان كل لحظة في أروقة الشركة...فيكاد الشوق الذي يصرخ في أوردتهما أن يتجاوز المدى...ويلعن الظروف متحديا لها...لكنها أقوى من ضعف يعتريها أمامه...تتجاوزه بلا مبالاة وروحها من بين حناياها تنساب يائسة...ويتخطاها هو متسائلا كيف ضاع كل شيء؟؟؟...


كانت ساعات العمل بالنسبة لها جحيما لا يحتمله بشر...ورؤيته عذابا لا يطاق ...
وفي ضل ما يحل بقلبها من دمار كان هناك قلبا آخر يخفق مختالا أنه فاز بها...قلب الدكتور أحمد...مدير الشركة...رجل الأعمال الثري الذي ما إن رآها حتى أعلن أنها ملكية خاصة له...
رفضته عندما عرض عليها الزواج و أخبرته أن قلبها ليس ملكا لها..لكنه لا يعرف للهزيمة طريق ...و لم يعتد أن يخسر رهانا في حياته خاصة عندما عرف أن من ترفضه لأجله ليس إلا المهندس  خالد الذي كان موظفا في شركته...
ولأن أحمد يعرف كيف يصل لمبتغاه جعل من حبها لخالد نقطة ضعفا يكسرها بها...ساومها عليه فكان خوفها من بطش من لا يرحم بحبيب العمر كافيا لترضخ ببساطة...هي تعلم أنه قادرا على إيذاء خالد ..وتدرك جيدا أن خالد أضعف من أن يتصدى لرجلا بجبروت أحمد...
بيديها قتلت حبه كي ينجو هو...لأجله إرتضت أن تكون خائنة في نظره ...


ومضت فترة بينهما وكلا منهما يستميت في إتقان دوره...حتى جاء يوما دخلت فيه الشركة فشعرت بأن قلبها ينقبض ..شعرت بأن الهواء لا يحتوي عطره..المكان لا يحمل آثاره...فعلمت أن القدر يخبئ لها هدية لا تنتظرها...
علمت أن خالد قد غادر المكان...سافر تاركا كل شيء ...أسرعت إلى مكتبه تبحث عن خيط رفيع ينبئها بأن ما يحدث ليس إلا كابوسا ستنهض منه حالا ..فوجدت الحقيقة أَمَرُ من أضغاث أحلامها...
جالت بعينيها في مكتبه..تسأل الجدران عنه...تستحلف الأثاث و الأوراق و الأرض أن تعيده حيث كان...لكن الرحيل كان واقعا لا شك فيه...
عادت إلى مكتبها لتلفحها نسمة هواء أعادت لها الحياة...كان هنا ...عطره يخبرها بذلك...نعم كان هنا...فوجدته قد ترك لها منه ورقة تحمله إليها...قبلتها ..تنفستها ..إحتضنتها...
و أخذت تقرئها ...

((حبيبتي الغالية...
لم يعد لي هنا شيئا يبقيني بعدما خسرتك...
ليتني أملك ما يملكه الدكتور أحمد لأمنحك إياه كي تبقي قربي...
لكن للأسف ليس لدي شيئا أقدمه لك سوى قلبي...
ولكن يبدو أن هذه العملة قد إنقرضت ..ولم تعد متداولة...
أعذريني يا أغلى الناس فرحيلي عنك أرحم من عذابي بحرماني منك و أنا قربك...
تمنياتي لك بحياة سعيدة ...
خالد))....

ومضى كل شيء ...طارت أحلامها...طار حبها ..وطارت آخر ورقة تحمل لمساته من نافذة حجرتها....

....................................................
....................................................

أنهيت كتابة هذه الكلمات التي قد تبدو فعلا شيئا مألوفا جدا...وسرت نحو نافذة مكتبي ..فتحتها فكان الهواء شديدا جدا..لذا أسرعت بإغلاقها...كي لا تطير من رأسي ما أملك من تساؤلات تحيرني...
ما زلت لا أفهم كيف يمكن أن نتنازل عن كل شيء للحفاظ على شخص معين؟؟؟...
كيف يمكننا أن نضحي بمن نحب كي نضمن أن يكون بخير؟؟؟...
وهل لهذه التضحية شريعة تحكمها؟؟؟....
 ربما لن يستطيع أن يجيب أحدا على تساؤلاتي إلا من قدم يوما للتضحية قربانا...
ولكن برغم غرابة منطقية التضحية وبرغم لا معقوليتها ...نسمع كل لحظة هذه الكلمة بألف لسان...
هل التضحية عمل عظيم نستحق لأجله وسام النبلاء؟؟...
أم هي ستارا نداري به ضعفنا وجبن عواطفنا؟....
بالنسبة لي أنا ...
التضحية نهاية لبداية لم تكن سليمة...وربما لم تكن موجودة...
ربما تقولون ليت الهواء قد طير خرافات عقلك ...لكن مهلا فأنا أعتقد أنني قادرة على التحدث بملأ لغتي عن هذه المفردة المؤلمة ...
فأنا أيضا خضت تجربة الإختيار الصعب يوما...يوما لم يكن بعيدا ولكنه مازال ينزف داخلي حتى هذه اللحظة....
في لحظة كنت مجبرة على أن أختار إما أنا أو هو؟؟!!
فقررت أن يكون إسمي مشرقا في صفحات تاريخ المضحين...
قررت أن يكون هو خياري ...
لأجله يهون كل شيء...
لأجله أهون أنا...لأنه أغلى مني...
وبرغم قناعتي أنني ضحيت بنفسي لأجل من هو أغلى منها إلا أنني مازلت أسأل نفسي كل لحظة


أما كان هناك خيارا آخـــــر؟؟!!!!.....


((إلــــى رجــــــلا أغـــلـــــى مـــــنـــــي...لأجلـــــك تنازلـت عنـــــــــك!!))

ناديا 13 فبراير 2010م
السبت 08:12 مساء
  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق