الأربعاء، ديسمبر 01، 2010

رسالة إلى ابنتــــي...


ابنتي الحبيبة ...اشتقت كثيرا إليك...
أعلم أنك تشتاقين لي أيضا..
سامحيني فلم أكتب لك منذ رحيلك...
لكن اليوم عيد ..لذا أردت أن أقول لك كل عام و أنتي بخير..بلغي أباك أيضا تحياتي له وبالغ شوقي لرؤيته...
ابنتي الجميلة...
ما زال كل شيء هنا كما تركتيه ساعة رحيلك...
غرفتك كما هي لم يدخلها بعدك أحدا سواي ..كنت كلما نازعتني أشواقي لرائحتك الحبيبة أسرع إليها..أقبل دماك التي تحبينها..أدفن رأسي في وسادة احتضنتك يوما لأبكي وأبكي...
حبيبتي الغالية...
بيتنا من ساعة رحيلك لم يعد بيتا..بل أضحى خرابة تنعق فيها الغربان...تسكنه الأحزان..تملأه الحسرة...كل شيء هنا يسأل عنك..الأزهار التي تستمد عبيرها من شذاك..الجدران التي تموت لهفة للمسة يدك وهي تتكئ عليها لتسند خطواتك...المفارش التي لطالما شددتها كي تنهضي..الأوراق التي بعثرتها يوما عندما شغلتني عنك...
المرايا..الأرائك..الشموع والزوايا...كل الدنيا يا دنياي تبحث عنك...
ماذا أخبرك يا نبض قلبي؟؟...
لا شيء يمكنه أن يصف لك الدمار الذي إجتاح الكون من بعدك...
هل علمتي ما حل بي أنا من بعدك؟؟...
ليالي كثيرة أنهض من نومي مفزوعة أسمع صوتك الخائف يناديني ((نانا..نانا))...
أجري كالمجنونة من غرفة لأخرى أبحث عنك...لكنني لا أجدك يا أغلى مني..أعود منكسرة لسريري أجاهد نفسي كي أغفو قليلا لكن النوم لا يعرف طريقه إلى جفوني...أجلس في سريري أبكي..أسأل نفسي ترى هل تحتاجني؟؟ربما تحتاجني؟؟..كلما تذكرت أنك تحت الأرض يحترق قلبي ويكاد العقل مني يهرب..كيف للتراب أن يحتضن ملاكا؟؟..
ويتراءى لي ظلام اللحد فيفر الدم من عروقي كلما خطر لي أنك تخافين الظلام..
هل أنت خائفة يا قلب أمك؟؟...لكن ما يهون علي ويصبرني أنه معك..كان أبا رائعا..لم تناديني يوما ماما..لكنك أول كلمة نطقتيها بابا..ربما أحببته أكثر مني لهذا رحلتم معا وتركتموني للحزن والعذاب...
ليتك تدركين  ما يحل بقلب أمك يا قلب أمك..ليتك تعلمين أي نار تحرقني...أي ألم ينهشني..
يا نور عيني...
منذ اختطفتكم أيدي المنية من أحضاني و أحضاني خاوية..باردة..لحظتها  صرخت كثيرا..بكيت حتى فقدت وعيي..سألت كل من قابلني لما ماتوا؟؟لما نجوت أنا؟؟...
لا أحد يوما جاوبني..جميعهم كانوا يكتفون بجملة واحدة ((قدر الله وما شاء فعل))..
((لله ما أعطى وله ما أخذ))...لكن كل عباراتهم لم تطفي نارا تلتهب في صدري..لم تروي عطش روحي للقياكم...
رحلتم ولم يبقى لي من بعدكم إلا لوعة فراقكم...كل يوم أمضيه دونكم يقتلني..كل لحظة أموت وأحيى...
ابنتي يا أغلى من عمري...
بلغي أباك أنني من بعده لم أعرف للراحة طريقا..لم أجد للأمان أرضا..لم يهدأ قلبي ولم تلتئم جراحي...
بلغيه أني أحبه منذ ولدت..ومازال حبه ينبض في حنايا أضلعي..وسأظل لحبه وفية حتى أعود لأحضانه من جديد...
أخبريه أن الشوارع تختزن خطاه..و أن المرايا ترسم ملامحه ..و أن أنامله مازالت تغفو على ستائري..على ثيابي وشعري...
خبريه عني..قولي له ماتت من بعدك..تاهت دونك..لم يعد لها شيئا تعيش له سوى إنتظار ساعة اللحاق بنا...
و لا تنسي أن تبلغيه وصيتي...
حبيبي يا من ملكت روحي...أوصيك بابنتنا الجميلة..لا تجعلها تغادر أحضانك لحظة فهي تخاف كثيرا الوحدة...
إن خافت من الظلمة طمنها فنور حبك يكفيها...
إن سألتك عني أخبرها أنني آتية قريبا..فلم يعد لي هنا شيئا من بعدكم...
أما زلت تُسمعها شعرا؟؟كم قلت لك مازالت صغيرة..فتقول لي أمها شاعرة وقد أرضعتها الشعر يوما...
آه يا أغلى الناس...كم تشتاق روحي لكم..آه يا كل الناس كم هي الحياة مقيتة دونكم...
..................
..................

((كل ده كان ليه لما شفت عنيه...
حن قلبي اليه..و انشغلت عليه...
كل ده كان ليه..كان ليه..))...
ويجيء صوت عبد الوهاب لينبهني أنني ما زلت هنا...هنا حيث أكون دوما..أجلس على أريكة في صالة المنزل الذي هجرته الحياة...ونسيه الجميع ملقى على أبواب الحيرة والضياع..لا يملك أمسا..ولا ينتظر غدا...
حقيقة واحدة تؤكدها لي سنوات الغياب أن الأموات لا يعودون..الأموات لا يعودون...
أطوي الورقة التي تحمل كلماتي لهم..و ألقي بها في درج المكتبة لأنني لن أجد ساعي بريد يحملها لهم...فصوت الأحياء لن يخترق القبور يوما...
و أعود أهيم بأنفاس عبد الوهاب...
ستظل رسائلي أسيرة أدراجي..و أشواقي أسيرة فؤادي..و سأبقى أنا أسيرة حسرة رحيلهم....
..................................
..................................
إلى قلبي الذي غادر صدري لينبض بين حبات التراب...إلى من تركوا أحضاني خاوية...
ناديا 28-نوفمبر-2009
السبت الثانية فجرا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق